عملية تحرير الرهائن الإثيوبيين من ليبيا، التي أعلن عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، جاءت محملة بالرسائل والإشارات. ومثلما أكدت أن الوضع الليبي مازال في غاية الخطورة، أكدت أيضاً أن مصر بإمكانها أن تتحرك بمفردها حين يستوجب ذلك أمنها الوطني، وأنها قادرة على أن تثبت للجميع أنها تتحمل مسؤوليتها الإقليمية بجدارة وأن تكون عاملاً رئيسياً للاستقرار. هذه الرسائل مجتمعة وغيرها حاول السيسي أن يوصلها للعالم عندما فتح قصره الرئاسي لاستقبال الإثيوبيين المحررين، وعند محاولة البحث في الدلالات يتأكد أن ما حدث ليس أمراً بسيطاً، وأن هناك أسراراً لم تكشف بعد، ربما لحساسيتها الأمنية في الوقت الحالي، أما بالنسبة إلى إثيوبيا، فإن تحرير 27 من أبنائها، يمثل هدية لا تقدر بثمن، لا سيما أن الإثيوبيين مازالوا ملتاعين من إعدام 28 من أبنائهم قبل أقل من شهر على يد تنظيم داعش الإرهابي، وفي هذا العصر الذي أصبح فيه تحرير رهينة واحدة من تنظيم إرهابي عملاً جليلاً، فمن المتوقع أن تضع أديس أبابا الخطوة المصرية في موضع رفيع من التعاون الأمني والسياسي مع القاهرة، مع التأكيد سلفاً على أن عتق الأعناق من سكاكين الإرهاب لا يجب أن يكون مدعاة للمساومات السياسية، ولا أحد يظن، حتى بعض المشككين، أن عملية تحرير الرهائن قد خضعت لحسابات مسبقة، فهذه ليست من طبائع مصر ولا من سجلات تاريخها في المنطقة. ومرة أخرى تؤكد هذه العملية أن التدهور الجاري في ليبيا قد تجاوز حدود الصبر. ورغم الإصرار المستميت على التفاؤل بإمكانية أن تحل الأزمة الطاحنة سلمياً عبر الحوار، إلا أن المؤشرات الجديدة تؤكد أن ذلك الأمل أصبح سراباً يبتعد كلما ظن المتفائلون أنه يقترب. فها هي المفاوضات التي يديرها الوسيط الأممي برناردينو ليون تراوح مكانها، بل إن وفد حكومة طرابلس المتمردة بات يطالب باستبدال هذا الوسيط، وهو ما يعني رفضاً لمواصلة الحوار والالتزام بمخرجاته. وجاءت المماطلة بعدما حصلت اختراقات جدية تمثلت في الاتفاق المبدئي على تشكيل حكومة وحدة وطنية والتوافق على انتخابات عامة ونزع سلاح الميليشيات والحشد العام لقتال الجماعات الإرهابية التي توغلت في البلاد وأصبح اقتلاع خطرها مهمة تتجاوز قدرات الليبيين. تعثر المسار السياسي والتلكؤ المتواصل في الالتزام به، يعني أن الأمور تتجه إلى ما هو أسوأ، ما يعني أن الأزمات الظاهرة ستتفاقم، وسيتسع نطاق الحرب الأهلية بما يوفر ملاذاً مثالياً لجماعات الإرهاب وعصابات الجرائم المنظمة، وسيظل كل المنشغلين بالوضع الليبي على ذات الوضع. فبالنسبة لدول الجوار سيصبح أمنها معرضاً لتهديدات متزايدة، ودول أوروبا، التي تعاني استقبال آلاف المهاجرين شهرياً من السواحل الليبية إلى إيطاليا، ستقف أمام وضع أشد خطورة، أما الأمر الأخطر فهو أن يتحول آلاف المهاجرين القابعين في سجون الميليشيات والجماعات الإرهابية إلى رهائن ينتظرون الذبح أو يتخذون دروعاً بشرية إذا ما حاول المجتمع الدولي يوماً التدخل لفرض الأمن والقانون لمصلحة الأغلبية الساحقة من الليبيين التي تعاني المرارة واليأس والإحباط. Chouaibmeftah@gmail.com