كانت عين إيران دائما على اليمن. من يعد بالتاريخ إلى خلف قريبا، يجد أن ايران سعت منذ ما يزيد على ثلاثة عقود إلى أن يكون لها موطئ قدم في اليمن بصفة كونه جزءا لا يتجزّأ من مشروعها التوسّعي في المنطقة. أخذ هذا المشروع أبعاداً جديدة مختلفة عما كان عليه أيام الشاه، وذلك منذ بدأت مغامرة تصدير الثورة في عهد آية الله الخميني...وصولا إلى إعلان مسؤول ايراني، هو نائب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، قبل أيّام عن مصالح أمنية لإيران في اليمن. موضحا «أنّنا لن نسمح لآخرين بتعريض أمننا المشترك للخطر بمغامرات عسكرية». يعتبر كلام عبد اللهيان تتويجا لحالة تظنّ إيران أنّها صارت واقعا. تعتقد إيران أنّها حققت هدفها المتمثّل بإيجاد منطقة نفوذ لها في اليمن بفضل الحوثيين الذين دعمتهم منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما. كانت جهودها منصبّة في مرحلة معيّنة على اليمن الجنوبي عندما كان مستقلا. في الحرب العراقية ـ الإيرانية، بين 1980و1988، كان اليمن الجنوبي أقرب إلى إيران من العراق، في ظل العلاقة التي ربطته بكلّ من النظامين السوري والليبي. ويوم وقوع ما يعرف بـ«أحداث الثالث عشر من يناير 1986»، التي أطاحت الرئيس علي ناصر محمّد، كانت عدن تنتظر مسؤولا إيرانيا كبيرا في زيارة رسمية. تأجلت تلك الزيارة بسبب الأحداث التي قلبت الوضع في الجنوب رأسا على عقب وقادت في نهاية المطاف إلى الوحدة اليمنية التي تحققت في مايو 1990والتي باتت الآن مهدّدة أكثر من أي وقت. في كلّ الأحوال، عملت إيران بعد الوحدة على أن يكون لها وجود في اليمن كلّه، انطلاقا من شمال الشمال. لا شكّ في أنّها استفادت من كلّ فرصة توافرت لها. لا حاجة إلى العودة إلى المرحلة التي شجّع فيها الرئيس السابق علي عبدالله صالح الحوثيين على تشكيل قوة سياسية لتشكيل عنصر توازن مع الزيدية التقليدية الممثلة بالعائلات الكبيرة مثل عائلتي حميد الدين والمتوكّل وغيرهما. وهذه العائلات الكبيرة، من محافظة حجة وليس من صعدة، وهي معروفة بالعائلات الهاشمية التي لم يكن علي عبدالله صالح يرتاح إليها بأيّ شكل. هناك شخصيات يمنية معروفة، كانت في السلطة، تؤكّد أنّ علي عبدالله صالح كان أوّل من دفع الحوثيين في اتجاه إيران و«حزب الله». ساعدهم ماليا، استنادا إلى هذه الشخصيات، وأدخلهم مجلس النوّاب. لم يكتشف أنّهم انقلبوا عليه إلّا في السنة 2003عندما توقّف في صعدة، في طريقه برّا إلى المملكة العربية السعودية لتأدية فريضة الحج. وقتذاك، فوجئ الرئيس اليمني السابق بجو عدائي له في المسجد الأساسي في صعدة وذلك عندما أطلق أحد الحوثيين «الصرخة» في وجهه. و«الصرخة»، كما يكتبها الحوثيون الذين صاروا يُعرفون بـ«الشباب المؤمن»، هي: «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام». بعد الحرب الأولى التي خاضها علي عبدالله صالح مع الحوثيين والتي انتهت بمقتل حسين بدر الدين الحوثي، بات معروفا أن هناك عاملا جديدا لم يعد في الإمكان تجاهله في اليمن. إنّه العامل الحوثي الذي بات يسمح لنائب وزير الخارجية الإيراني بالكلام عن «أمننا المشترك»، أي الأمن المشترك بين بلاده واليمن. لم يفوت الحوثيون فرصة إلّا واستغلوها لتوسيع نفوذهم. خاضوا ستة حروب مع علي عبدالله صالح. طوال كلّ تلك الحروب، كان هناك توتر في الداخل اليمني. كانت خلفية التوتر عائدة إلى طرح موضوع الإعداد لتوريث العميد أحمد علي عبدالله صالح. كان التوتر بين علي عبدالله صالح من جهة والإخوان المسلمين والسلفيين ممثلين باللواء علي محسن صالح الأحمر (قريب الرئيس السابق) قائد الفرقة الأولى / مدرّع وابناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر زعيم قبيلة حاشد الذي توفّى أواخر العام 2007، من جهة أخرى. استغلّ الحوثيون هذا التوتر الذي كان يعبّر عنه، بطريقة فظّة إلى حد كبير، الشيخ حميد الأحمر الذي أخذ موقفا صريحا معاديا من علي عبدالله صالح. أخذ هذا التوتر بعداً جديداً ابتداء من العام 2011 عندما سعى الإخوان المسلمون إلى استغلال «الربيع العربي» للاستيلاء على السلطة غير مقدرين لمعنى انهيار الصيغة التي حكمت اليمن منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، انطلاقا من صنعاء. كان في الإمكان تفادي هذا التسرّع الإخواني في الاستيلاء على السلطة، لو كان هناك لدى هؤلاء من يستطيع أن يقدّر مسبقا النتائج التي ستترتب على ذلك. لم يكن هناك تقدير لخطورة خروج الحوثيين، بصفة أداة إيرانية، من المنطقة التي حاصرهم الجيش اليمني فيها. بقي هذا الحصار حتى نهاية 2010عندما انفلت الشارع في صنعاء. جاءت «عاصفة الحزم» لتؤكد أن كفى تعني كفى. لا تجاهل بعد الآن للمحاولات الدؤوبة التي تبذلها إيران من أجل إيجاد قاعدة لها في اليمن وتهديد دول المنطقة، على رأسها السعودية، انطلاقا منها. هناك صفحة طويت. صفحة التغاضي عن التركيز الإيراني على اليمن الذي كان يفترض المباشرة في معالجته منذ فترة طويلة. فبعد الحرب الأولى مع الحوثيين، نشر كاتب هذه السطور في الحادي عشر من سبتمبر 2004 في الصفحة الأولى من صحيفة «الراي» الكويتية الآتي: «حاول الحوثي (حسين بدر الدين الحوثي) الذي قاوم الجيش وقوات الأمن اليمنية نحو اربعة اشهر زرع فتنة مذهبية في البلد الذي عاش قرونا من دون أيّ تفريق أو تمييز بين زيدي وشافعي. على العكس من ذلك، كان هناك دائما وئام بين المذهبين ولم يُطرح يوما سؤالا عن مذهب هذا أو ذاك من اليمنيين. على الأرض، سعى الحوثي إلى نشر المذهب الشيعي الإثني عشري وهو مختلف عن الزيدية وأقام مدارس دينية في مناطق عدّة. ما كان ممكنا أن يفعل ذلك من دون إمكانات كبيرة. والسؤال الذي يردّده المسؤولون اليمنيون في استمرار هو: من أين جاء بهذه الإمكانات إلى بلد معروف تماما، لدى القاصي والداني أن القبائل فيه لا يمكن ان تساير أحدا من دون مقابل؟». هذا الكلام صدر قبل أحد عشر عاما في وقت كانت ايران تبني لها نفوذا في اليمن، فيما العرب والخليجيون يتفرّجون ومصر غائبة عن الوعي. من هذا المنطلق، من الطبيعي جدا أن يتكلّم نائب وزير الخارجية الإيراني عن«شراكة أمنية»مع اليمن. لقد وصل الحوثيون إلى صنعاء وأقاموا نظاما جديدا. تمددوا في كلّ الاتجاهات وهم اليوم يقاتلون في عدن. ما يحصل على الأرض يشير إلى استفاقة عربية على خطر كان مفترضا التصدي له منذ فترة طويلة. ما يفعله المسؤولون الإيرانيون حاليا، عبر التصريحات وعبر الأفعال، يؤكد صحة ما تقوم به السعودية والعرب المتحالفون معها ويبرّر الحملة العسكرية، أي«عاصفة الحزم»، المستمرّة تحت«عاصفة إعادة الأمل». نعم، هناك وجود إيراني، ذي طابع معيّن، في اليمن. ومن الطبيعي العمل على مواجهة هذا الوجود الذي يستهدف أمن الخليج وتقسيم اليمن. هذا التقسيم يمكن أن يكون هدفا إيرانيا في حد ذاته، في حال تعذّر على طهران تحويل البلد كلّه إلى مستعمرة من مستعمراتها...