لا يكاد يمر يوم إلا وأسمع من مجموعة أشخاص شكوى مريرة من حال استقدام العمالة المنزلية وما وصلت إليه أسعارها الفلكية ومدد انتظار السائقين والخادمات، وما يتكبده المواطن من خسائر في حال هروب الخادمة أو وقوفها في حلق أهل البيت رافضة العمل. فاوضت وزارة العمل من قبل وفودا من دول الاستقدام وكانت النتيجة لصالح هذه الدول وعمالتها التي أصبحت شروط بعضها أصعب من شروط استقدام جراح ماهر أو مهندس كبير أو عالم جهـبذ. الملف منذ خرج من عباءة وزارة الداخلية ولبس عباءة وزارة العمل وهو من يد لجنة للجنة. ومن بين هذه اللجان اللجنة الوطنية للاستقدام بمجلس الغرف السعودية التي يتكون معظم أعضائها، إن لم يكن كلهم، من تجار استقدام كبار تهمهم مصلحتهم قبل أن تهمهم مصلحة المواطن الذي يجأر بالشكوى من غلاء الأسعار وتردي الخدمات إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ هذا الملف الذي يدخل في صميم حاجة الناس. في أكثر من حوار تلفزيوني وإذاعي وعبر مقالات وتغريدات متكررة قلت إن تسليم رقبة تنظيم نشاط الاستقدام للتجار يقطعها، إذ لا يوجد في هذه الدنيا تاجر يقدم مصلحة المستهلك على مصلحته. وإذا كان هذا التاجر جشعا فإنه بالضرورة سيتعامل مع حاجات المستهلكين باعتبارها صيدا سمينا يعظم من خلاله دخله وثروته الشخصية على حساب جيوب الآخرين. لذلك يلجأ الناس، في شكاواهم ومراراتهم، للحكومة ولوزارة العمل بالذات لتحميهم مما يحاك لهم في دهاليز لجنة التجار. وفي مرات عديدة قدم المواطنون مقترحات وضربوا أمثلة حية وناجحة على سلاسة عملية الاستقدام ومعقولية تكاليفها في دول مجلس التعاون المماثلة لنا في حجمها الاقتصادي وفي قدر حاجة أهلها للعمالة المنزلية. نحن الآن على مشارف شهـر رمضان والسوق السوداء لهذه العمالة، كما هي الحال في كل سنة، شادة حيلها، حيث من المتوقع أن يصل سعر الخادمة المقيمة خلال الشهـر إلى عشرة آلاف ريال، بينما سيصل سعر الساعة للخادمة المخالفة الزائرة إلى 200 و300 ريال. وكثير من النساء يخططن لأخذ إجازات عادية أو إجازات بدون مرتب ليقابلن متطلبات الشهـر الكريم في بيوتهـن. بالنتيجة لقد بلغ سيل اضطراب ملف الاستقدام الزبى ووزارة العمل فشلت إلى الآن في التجاوب مع حاجات واقتراحات المواطنين. وسبب هذا الفشل، من وجهة نظري، هو تسليم الملف، تفاوضا وتسعيرا ومددا، لما يسمى اللجنة الوطنية للاستقدام. وإذا كان الوزير الجديد الدكتور مفرج الحقباني جادا في حل هذه المشكلة، وأظنه كذلك، فإن أول قراراته يجب أن يكون إخراج التجار نهائيا من ملف الاستقدام. ولعله، أيضا، ينظر في تطوير لجنة الاستقدام في الوزارة ويضيف إليها عناصر من المواطنين العاديين الذين لا مطامع شخصية لديهم ولا ينظرون إلى مصلحة غير مصلحة المواطن.. سننتظر ونرى.