كرة القدم، الساحرة المستديرة، الكرة الجميلة، كلها أسماء عُرِفت بها الرياضة الأكثر شعبية في العالم. وقد يتفق جماهير الكرة أو يختلفون حول الأندية واللاعبين، ولكن يبقى بيليه أفضلَ لاعب في تاريخ كرة القدم؛ فخلال مسيرته الكروية على مدى عشرين عامًا قضاها في الملاعب، استطاع أنْ يكوِّن له عالمه الساحر المتفرد؛ فهو أكثر مَن سجَّل أهدافًا في تاريخ كرة القدم (1283 هدفًا)، واستطاع الفوز بثلاث بطولات كأس العالم لكرة القدم، وهو ما لم يسبق له مثيل، وبعد اعتزاله عُيِّنَ سفيرًا لكرة القدم، وجابَ أنحاء العالم، يحاضر عن تأثير كرة القدم الإيجابي لدى الشبان، والمجتمعات المكافحة، بل حتى الشعوب. وفي هذا الكتاب لماذا كرة القدم مهمة؟ (2014) يستكشف تاريخ هذه الرياضة في عقودها الأخيرة، ويقدِّم عنها رؤى جديدة، وينقل خلاصة تجربته لإلهام الجيل الجديد. المقدمة وأنا مغمض العينين، ما زلت أرى أول كرة لعبتُ بها في حياتي! حقًّا، لقد كانت مجرد جوارب معقودة بعضها ببعض. كنتُ أنا وأصدقائي نستعيرها من حبال الغسيل المعلَّقة في المنازل حولنا، ونستمر في ركل الكرة لساعات. كنا نركض في الشوارع، نصرخ ونضحك، نتشابك لساعات إلى أنْ تغيب الشمس. وبالطبع، لم يكن بعض الجيران سعداء جدًّا بهذه التصرفات! ولكننا كنا مهووسين بكرة القدم، وفقراء جدًّا لتحمُّل مصاريف أي شيء آخر. على أية حال، كنا نعيد الجوارب في النهاية الى أصحابها، ولكن وهي أقذر مما كانت عليه في الأصل! في السنوات التالية، كنت أتدربُ باستخدام كرة من قطع قماش مربوطة معًا بإحكام في شكل دائريٍّ، أو بأيِّ شيء مكوَّر مِن النفاية. لم نبدأ باللعب بكرة حقيقية حتى بلغنا سنَّ المراهقة. عندما لعبتُ في مباراة كأس العالم المرة الأولى، في سن السابعة عشرة عام 1958، استخدمنا كرة جِلدية بسيطة مَخيطة، ولكن حتى تلك الكرة تبدو الآن وكأنها شيء أثريّ عتيق! ولكن بعد مرور السنوات، تغيرَت هذه الرياضة كثيرًا. في عام 1958، كان على البرازيليين الانتظار لمدة تصل إلى شهر ليروا لقطاتٍ إخبارية في السينما عن نهائي البطولة بين البرازيل والفريق المضيف السويد. والآن، شاهد نحو 3.2 بليون شخص- أيْ حوالي نصف سكان الكوكب - المباراة النهائية بين إسبانيا وهولندا في نهائياتِ كأس العالم الماضية في عام 2010 في جنوب أفريقيا، على الهواء مباشرة عبر التلفزيون أو الإنترنت. أنا أعتقد أنه ليس مِن قبيل المصادفة أنَّ كرات اللاعبين المستخدَمة اليوم أجسام ملساء، مستديرة، متعددة الألوان، تُختبر في قنوات الهواء للتأكد مِن أنها تدور بشكل صحيح. بالنسبة لي، هي أقرب إلى مركَبات فضائية غريبة، من شيء أحاول ركلَه فعلًا! أفكر في كلِّ هذه التغييرات، وأنا أقول لنفسي: يا رجل، لقد كبرتَ! ولكنني أيضًا أتعجب كيف تطوَّر العالم إلى حدٍّ كبير نحو الأفضل على مدى العقود السبعة الماضية؟! كيف لصبيٍّ أسود فقير من ريف البرازيل، نشأ يركل الجوارب أو شيئًا مكورًا من النفاية في الشوارع المتربة، أنْ يصبح ظاهرة عالمية يتابعها مليارات الناس في جميع أنحاء العالم؟! في هذا الكتاب، أحاول أنْ أصف بعض التغييرات الجميلة، والأحداث التي جعلت رحلتي ممكنةً. وأود أيضًا أنْ أتحدث عن كيف ساعدت كرة القدم في أنْ تجعل العالم مكانًا أفضل إلى حدٍّ ما خلال حياتي، عن طريق جعل المجتمعات معًا، وإعطاء الأطفال المحرومين من أمثالي الإحساسَ بالهدف والاعتزاز. إنها ليست سيرة ذاتية تقليدية أو مذكرات، أو سردًا لكلِّ ما حدث لي في الماضي، بل محاولة لأنْ أحكي قصصًا متداخلة عن كيفية تطوُّري كشخص وكلاعب، وكيف تطوَّرَت كرة القدم والعالم كذلك. لقد فعلتُ ذلك مِن خلال التركيز على مبارياتِ كأس العالم لخمسِ مرات مختلفة، بدءا مِن مباريات العام 1950 التي استضافتها البرازيل عندما كنتُ طفلًا صغيرًا، وانتهاءً بالاستضافة العظيمة مرة أخرى للبرازيل عام 2014. ولأسباب مختلفة، كانت هذه البطولات من المعالم الرئيسة في حياتي. أقصُّ هذه القصص بتواضع، ومع تقدير كبير واعتراف بأنني كنتُ محظوظًا، فأنا ممتنٌّ لله، ولعائلتي. وممتنٌّ لجميع الناس الذين أخذوا من وقتهم لمساعدتي. ولكرة القدم، أجمل الألعاب الرياضية؛ لأنها في يوم من الأيام أخذت بيد طفل صغير يسمى إديسون، وجعلته يعيش حياة بيليه. الفصل الأول -البرازيل، 1950 «هدف! هدف!» ضحكْنا. صرخْنا. قفزْنا، هبطْنا طربًا. كلُّ فرد منا، كانت عائلتي كلها تجتمع في بيتنا الصغير لتتابع المباراة المذاعة بالراديو، تمامًا كما فعلت كل العائلات الأخرى في جميع أنحاء البرازيل. على بعد ثلاثمائة ميل، أمام حشد صاخب من البرازيليين في ريو دي جانيرو، البرازيل القويُّ يقابل أوروغواي الصغيرة في المباراة النهائية لبطولة كأس العالم. إنَّ فريقنا موهوب. جاءت لحظتنا. في الدقيقة الثانية من الشوط الثاني، أحد مهاجمينا، فرياكا، ناوَر المُدافع وسدَّد كرةً مرتدَّةً بتسديدة قوية نحو الهدف، مرَّت مِن بين يديْ حارس المرمى، وهزت الشِّباك!! البرازيل واحد، أوروغواي صفر! كانت لحظة جميلة، حتى ولو لم نتمكن من رؤيتها بأعيننا؛ فلم يكن هناك تلفزيون في مدينتنا الصغيرة! في الواقع، بدأ البثُّ الأول في البرازيل خلال كأس العالم ذلك، ولكن فقط في ريو. حتى بالنسبة لنا، وبالنسبة لمعظم البرازيليين، كان هناك فقط الراديو. كان لأسرتنا جهاز عملاق، مربع ذو مقابض مستديرة وهوائي طويل، ينتصب في ركن من غرفتنا الرئيسة، كنا نرقص هناك بجنون، ونصيح ونصرخ. كنتُ في التاسعة من عمري، لكنني لا أنسى أبدًا هذا الشعور، مزيجًا من النشوة والفخر؛ لأنَّ اثنين مِن أعظم من أحبهم - كرة القدم، والبرازيل - توحَّدا الآن في النصر، ليس في الحياة أفضل من هذا! لا أزال متذكِّرًا والدتي، وابتسامتها العفوية. ووالدي، بطلي، الذي لم يهدأ خلال تلك السنوات، رغم ضياع حلمه في ممارسة كرة القدم، عاد فجأة فتًى صغيرًا، يحتضن أصدقاءه، تستولي عليه السعادة. بقي تسع عشرة دقيقة بالضبط. أنا، مثل الملايين من البرازيليين، تعلَّمْنا واحدًا من الدروس الصعبة: في الحياة، وكما هو الحال في كرة القدم، لا شيء مؤكد حتى تنطلق صافرة النهاية. آه، ولكن كيف يمكننا أنْ نتعلم هذا؟ كنا فِتية، نلعب لعبة فتيَّة، في أُمَّة فتيَّة. لقد بدأت رحلتنا للتو!