هل نستطيع أن نبني اقتصاداً سعودياً قائماً على الصناعة والابتكار؟ كيف يمكن أن نجعل اقتصادنا لا يعتمد على البترول بشكل كبير؟ مقالة اليوم تجيب عن هذه الأسئلة.. بداية لن أتحدث اليوم عن مخاطر اعتمادنا اقتصادياً على موارد البترول، ولمن أراد الاستزادة فيمكن مراجعة مقالة أ. فهد الأحمدي (ما عليك سوى تصور حالنا بدون نفط) ومقالة أ. مازن السديري (السعودية مصابة بالداء الهولندي)... وبحثاً عن تجارب من سبقونا ننطلق إلى اليابان في عام 1615م والذي شهد ولادة الشركة الأم لمجموعة سوميتومو (Sumitomo Group). بدأت الشركة أعمالها باستيراد تقنيات غربية خاصة باستخلاص الفضة من النحاس. وتوسعت الشركة بعدها لتصدير النحاس واستيراد الحرير والخدمات المصرفية. نقطة التحول المفصلية كانت عام 1690م حين تم اكتشاف منجم للنحاس في جبل بيشّي بمدينة إيهيمي. في العام التالي بدأ استخراج النحاس وتصديره من ذلك المنجم والذي أسهم بشكل كبير في النهوض بالاقتصاد الياباني والذي كان يعتمد على تصدير المعادن كالنحاس والذهب. وعلى مدى ما يقارب الثلاثة قرون أنتج المنجم 700 ألف طن من النحاس حتى انتهاء أعمال التنقيب والإنتاج عام 1973م. ولكن كيف نقلت اليابان اقتصادها خلال تلك الفترة من الاعتماد على المواد الخام إلى الاعتماد على الصناعة والتقنية؟ يكمن السر في حرص قادة الشركات كسوميتومو على التعلم ونقل التقنيات وتوطينها في مؤسساتهم. فعلى سبيل المثال واجهت الشركة مشكلة أبخرة سامة تنبعث من داخل المناجم عند استخراج النحاس واستخلاصه. ولحل هذه المشكلة تم إنشاء شركة سوميتومو للكيماويات لتطوير حل صناعي وتقديم منتجات لشركة سوميتومو الأم وغيرها من الشركات. ومن ناحية أخرى واجهت الشركة تكرر مشاكل الأعطال في المصابيح داخل المناجم مما دفعهم لإنشاء شركة سوميتومو للكهرباء. كما تكررت الأعطال في العربات المستوردة من ألمانيا لنقل النحاس عبر الجبل، ولحل المشكلة تم إنشاء شركة سوميتومو للصناعات الثقيلة. واليوم هنالك ما يقارب الثلاثين شركة متخصصة داخل مجموعة سوميتومو. ولم ينته إنتاج النحاس في المنجم إلا والشركة قد تحولت لمجموعة شركات متخصصة في مجالات متعددة. وتكررت هذه التجربة مع مجموعة ميتسوبيشي ومجموعة ميتسوي وعدد آخر من الشركات اليابانية. وباختصار فأهم الدروس المستفادة: 1) لا يمكن بناء اقتصاد معرفي بالاعتماد المطلق على التعاقد مع الشركات الأجنبية. 2) لا بد من دعم وتطوير الشركات الوطنية في القطاعات الصناعية ذات العلاقة والاستثمار فيها دون الاكتفاء بصناعات الموارد الطبيعية. 3) حث الشركات الوطنية على المنافسة عالمياً. وننتقل للسؤال الأهم: كيف نطبق ما ورد أعلاه في السعودية؟ قد توافقونني الرأي بأنه يمكن تطبيق تجربة سوميتومو على شركة أرامكو! وللتوضيح فبالإضافة للبتروكيماويات والطاقة، يمكن إنشاء شركة أرامكو للإلكترونيات، أرامكو للصناعات الثقيلة، أرامكو للنقل البحري وأرامكو للطاقة الشمسية وغيرها. ولاحظ أن أرامكو تنتج يومياً أكثر من 10 ملايين برميل وهو ما يتجاوز ثلاثة أمثال إنتاج إكسون موبيل والتي تعد أكبر شركة نفط مدرجة عالمياً. إذن فالمجال كبير للشركات الجديدة في السوق المحلي والإقليمي ناهيك عن السوق العالمي. وقس على أرامكو شركة معادن. ولعل أحد أهم القرارات الاستراتيجية المتميزة لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بقيادة واعية ورؤية استشرافية لسمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هو إنشاء المجلس الأعلى لأرامكو وفصلها عن وزارة البترول،، فهل يكون هذا القرار تمهيداً لوضع حجر الأساس لبناء اقتصادنا السعودي الصناعي المعرفي؟ وأختم بكلمات المفكر د. مصطفى محمود:"إن مشكلتك ليست سنواتك التي ضاعت بل سنواتك القادمة التي ستضيع حتماً إذا واجهت الدنيا بنفس العقلية!".