×
محافظة المنطقة الشرقية

"تعليم الشرقية" تنفذ المرحلة الثانية لمشروع التطوير المهني

صورة الخبر

في تَقديري الذي يُقيدني تواضعه عن الانطلاق بتمكُن وحرية للحديث عن مكان سبقني إليه من أهل الفكر من لا أقوى أبدا على مجاراتهم، أقول إن ضخامة تراث نجران في التاريخ أوجبت البحث كما فرضت الرصد عبر العصور، وقد شد تنوع وثراء الرصد الملامس لعمق التاريخ انتباه عديد من المهتمين بالتراث القومي والتراث الإنساني، وأشعل ثقل المدينة في ميزان الحضارات فتيل الأسئلة وهذا قاد إلى ما يمكن تسميته بعمليات التأمل في هوية نجران الفريدة بخصوصيتها، وفي ذات الطريق تحركت العيون العطشى لتقليب صفحات تاريخ مقر بليغ العرب وأديبها، المدينة التي لا ينقطع لها وصل مع الطبيعة الخلابة ولا تنفك عُقد حبالها مع الحصون المنيفة المشحونة بالخير والسلام. مع الأيام ازداد اهتمام الرواد بنجران من زوايا ثلاث المكان والإنسان والتاريخ، وتطور الرصد، والتحمت العدسة بالقلم لدعم السجل بالتعبير المرئي للإبحار في هوية المدينة، وظهر عنها من الكتب والمؤلفات ما ظهر، إلا أن أياً من هذه المؤلفات لم يواجه بالنقد أو التنقيح والتصحيح أو حتى التأييد المطلق من قبل أي من أبناء المنطقة في حدود معرفتي، والأمل أن أكون مخطئا، وعسى أن أكون فعلا على خطأ مرده قصوري المعرفي. في السياق يمكن القول إن مظاهر الطبيعة لم تأخذ نصيبها بعدالة في الظهور كتراث يستحق التدوين والدعاية فيما عدا ما يُعبر به عن بعض المواقع الأثرية وعصر النهضة الحالي وما يستدل به على عمليات التطوير، وهذا من الحق أن يذكر للتاريخ ولا عدالة في إنكاره أو حتى تجاهله. وللأغراض الشخصية تلتقط عدسات الهواة بعض الرموز الجغرافية التي لا تخطيها القوافل في تحركاتها العادية وخلاف ذلك من الرحلات الخاصة التي يحركها الطقس لمشاغبة الوجدان في محاولة لإيقاظ الذكريات العالقة في بعض الأماكن. ما أود قوله في محاولة للهروب من مأزق المقدمة، إن الطبيعة جزء من هوية أي مدينة وهي تراث تشد له الرّحال، وفي ظل ذلك أقول إن لطبيعة نجران نفسا خاصا وجاذبية، ومكانة في ذاكرة أهل المنطقة وقاطنيها، فالذكريات لا تعترف بالحدود والجدود، لكنه يقلق الذاكرة، والمقصود هنا ذاكرة الإنسان والمكان تدهور الطبيعة وانقراضها على يد التنمية التي لا تستند في رؤيتها على فلسفة منهجية لتحديد مجال البناء وضبط نطاق العمران، ولا شك أن تصادم البيئة المبنية مع البيئة الطبيعية يشكل مدينة ذاكرتها مفرغة وهويتها مشوهة. نجران بيئة تاريخية بامتياز، وقد حافظت الإدارة المحلية قدر المستطاع على سلامتها، ويسجل التاريخ بنزاهة لأمير نجران دفع الحراك الأدبي إلى الواجهة، كما يسجل التفاتته الحية للتراث الثقافي بشكل عام وغير المادي بشكل خاص مثل التقاليد الشعبية والتراث الشعبي من خلال تضمينه المشروط لهذا التراث في المناسبات الوطنية، ما عزز إحياءه والحفاظ عليه واستمراره في المناسبات الاجتماعية، وشهادتي في (الأمير الجليل) مجروحة والسؤال ممنوع. ما سبق تهيئة ومدخل للفت انتباه مجلس منطقة نجران في دورته الحالية، وهو المجلس الذي عقد مع الحظ الكبير صفقة القرب من أمير نجران والعمل تحت إشرافه وتوجيهاته ودعمه، وبحكم أنني أمون على المجلس وأحترم كافة أعضائه وأثق فيهم أقول لطفا، لا تغلبوا الجوانب العمرانية على التراث الطبيعي الذي يُشكل القيمة الجمالية لنجران ويعني لذائقة أهلها وذاكرتهم الشيء الكثير، ولعلكم تتفقون معي ولو من باب المجاملة أن أسوأ ما يصيب المدن هو خضوعها للتطوير غير المنضبط وتعرضها للقفزات التنموية غير المدروسة في إطار رؤية عمرانية متوازنة تحسب حساب المقومات الطبيعة كجزء من الهوية. من الحقيقة، إن كثيرا من المدن على مستوى العالم فقدت بعض مناظرها الجمالية وكادت تفقد بعض كنوزها الأثرية جراء اغتيال الطبيعة، وعلى المستوى المحلي للظروف أحكامها ونجران ليست استثناء إلا أن القادرين أمثالكم لا يستصعبون استدراك الوضع ولا ينكرون نتائج الزحف العمراني على معالم الطبيعة ومقوماتها، إنكم لا ريب تدركون انعكاس التوازن البيئي على التنمية المستدامة. والمهم أن (البسطاء) مثلي يحلمون بالطبيعة وصفائها ويتلذذون بسحرها المباح للهروب من ضغوط الحياة ونثر الهموم في الهواء الطلق، والنخب (أمثالكم) ضاقوا ذرعا بضجيج المدن ويبحثون عن مكان منزوٍ في حضن الطبيعة للاسترخاء وتغيير الجو. الكل رابح أليس كذلك؟. التفتوا إلى المقومات الطبيعة فإنها تراث ومورد وهي تتلاشى.. واعملوا -وفقكم الله- على تحويل المتاح والممكن من البيئة الطبيعية إلى مناطق مفتوحة للترفيه بخدمات متكاملة، وسّعوا المساحة الخضراء للتنفس في المناطق السكنية، أطلقوا المناظر الطبيعية المسجونة في سفوح الجبال وعلى ضفاف الأودية هنا وهناك، أعطوا وادي نجران العظيم فرصة لسرد حكاياته لعشاق السمر في لحظات يعانق ضوء القمر ذرات ترابه. «الإنسان ابن الطبيعة» والحفاظ على الأماكن الطبيعة واستغلالها للترفيه والتنزه (ملفكم الساخن) للمنطقة تجربة واحدة ناجحة بكل المقاييس وهي لا تكفي. وفي الختام اسمحوا لي أن أسألكم: هل في نجران مدينة ألعاب للترفيه والمساندة في الجذب السياحي؟ حمّلوني الناس هذا السؤال أمانة، ومن ذمتي لذمتكم. وعن أمانة أخرى سأتحدث لاحقا.