«الغيرة» هي مشاعر ثائرة تحركها أفكار تنافسية، فالغيور هو كائن يستخدم سلاح الغيرة للدفاع عن المناطق التي يعتقد أنها من حقه، وكلما كانت جمرة «التنافس» أكثر اتقاداً صارت نيران «المشاعر» أكثر اشتعالاً. «الغيرة» تعطل العقل الواقعي وتنشط العقل التخيلي، وكما يقول السكان في الأرجنتين: (متى دخلت الغيرة إلى القلب خرجت الحقيقة من الرأس)، وتتضاعف مساحة الخيال عندما يكون الغائر «أنثى»، وما أجمل غادة السمان وهي تصف هذا المعنى بقولها: (لا شيء أكثر نشاطاً من مخيلة امرأة تشعر بالغيرة) !. «الغيرة» تفرض على صاحبها شعور «التتبع» والاستقصاء، فمن امتلأ قلبه بالغيرة تجده يلاحق ويتتبع أخبار من يغار منه أو يغار عليه، فالغيور إنسان مدمن للتتبع، وكثيراً ماتتم عمليات التتبع تحت ستار الصمت وجناح الظلمة، والعجائز في يوغسلافيا تقول: (الخوف والغيرة لهما أعين كبيرة). «الحب» و «الحقد» هما أقوى دوافع الغيرة، فالغيور يغار على من يحب، ويغار ممن عليه يحقد، وإذا زاد منسوب الغيرة انشل الحب، وإذا نقص منسوبه جف الحب، فالغيرة قليلها يروي الحب وكثيرها يغرقه، وفي المقابل من فتح في قلبه لنار الحقد بوابة فلا يسأل عن دخان حريقها الخانق. الغيور يضيع حاضره بين التفكير بحوادث الماضي وبين خيالات المستقبل، ولذلك تجده يظلم صاحبه لأنه يحاسبه على المشاعر السلبية والأفكار الخاطئة التي نسجتها ماكينة الغيرة في قلب وعقل «الغيور»، ويتم تحوير وتكييف الأفعال وفق شكوك الغيرة. الذين يتقنون التنافس مع ذواتهم يتقنون التعامل مع «الغيرة»، فهم يعرفون أن الأماكن الشاغرة تسع مزيداً من الأشخاص، ومايمكن أن يحققوه هو الدافع والمعيار لأدائهم وليس تفوق الآخرين عليهم. أخطر أنواع «الغيرة» هي غيرة النساء وغيرة «الزعماء»، ومعهما لا يمكن التنبؤ بما يحدث، خاصة إذا كانت النساء يتنافسن على «رجل»، وإذا كان الزعماء يتنافسون على «مجد».