أطلق الإعلام على تلك الحركات التي شهدتها بعض الدول الشقيقة خلال الأعوام الأربعة الماضية مصطلح «الربيع العربي»، لكن هذا الربيع كان عقيما، إذ لم يحدث التغيير المنشود، والتغيير الوحيد الذي حل بمعظم هذه الدول، هو تغيير نحو التقسيم والتجزئة للوطن، وإشاعة البغضاء والكراهية والثأر بين أبناء الوطن الواحد. لكن قرارات خادم الحرمين الشريفين الأخيرة، هي من ناحية المضمون والمغزى، «ربيع» ، لكنه ربيع هادئ، ربيع خير ــ ولله الحمد ــ جاء من قيادة حكيمة، أدركت ضرورة أن يتبوأ الشباب مكانهم المأمول، فهم أمل ومستقبل أي بلد، ومن الضروري أن ينخرطوا في إدارة البلاد، للتمرس والحنكة، من خلال الواقع العملي. ذكرتني التغييرات الأخيرة التي شهدتها البلاد، بما نقرؤه في الآداب العامة، مما يطلق عليه «روايات الأجيال»، حيث ينتظم في أحداث هذه الروايات أجيال عمرية ثلاثة: الآباء، والأبناء، والأحفاد، وكان تواصل هذه الأجيال في تلك الأعمال سببا في نجاحها وانتشارها، إذ عكست ضرورة سد الفجوات الفكرية بين هذه الأجيال المتباينة في مناهجها في التعامل مع الواقع، ولعل أبرز هذه الأعمال الناجحة التي اطلع عليها الكثيرون منا، ثلاثية الأديب العربي نجيب محفوظ. ولنا أن نتخيل مدى ما يمكن أن ينتج عن تلاقح الرؤى والأفكار لهذه الأجيال الثلاثة، وما يمكن أن يدفع البلاد إلى نهضة حقيقية، وتغيير واقعي ملموس، دون أن تمر البلاد بما مرت به، أو ببعض ما مرت به دول شقيقة. إنها الحكمة التي تبادر بالتغيير، فالتغيير سنة من سنن الكون، والبقاء على حال واحد، أو التراوح في مكان واحد، سيصل بالبلاد إلى حالة من الجمود، في وقت لا مكان فيه لهؤلاء الذين «يجرون» في أماكنهم، إذ حتما سيصيبهم الإجهاد والتعب، دون أن يتقدموا خطوة واحدة إلى الأمام. نحن نأمل خيرا في هذه التغييرات، لأننا اعتدنا على مر تاريخ بلادنا، منذ عهد المغفور له ــ بإذنه تعالى ــ الملك عبد العزيز، أن لنا ثوابت دينية وأخلاقية لم يحد عنها قادتنا وزعماؤنا على مر هذه العقود، أما ما عدا ذلك من أمور السياسة والاقتصاد ونحوها، فهي من باب المتغيرات التي تتطلبها الأيام والعصور. وأنا على يقين من أن هذا «الربيع السعودي» سيكون ذا مذاق خاص، وقد يكون سنة محمودة، يتبعها الآخرون..