هم الشريحة من المواطنين والمواطنات الذين ناهز عددهم حتى نهاية 2014 نحو 1.6 مليون مواطن ومواطنة، ويشكّلون نسبة 58.0 في المائة من إجمالي العمالة الوطنية في القطاعين الحكومي والخاص، ويصل متوسط رواتبهم إلى 4750 ريالا شهريا (نحو 58.6 في المائة من متوسط رواتب موظفي القطاع الحكومي). ماذا كسبت هذه الشريحة وماذا خسرت خلال نصف العقد الماضي؟ أسئلة تحضر بكامل عدتها وعتادها في ضوء ما جرى تدشينه وتعديله وتغييره في نظام العمل، وتحت تأثير كل ما يرتبط بتنظيم سوق العمل في القطاع الخاص من قرارات وإجراءات وخلافه، وهي الفترة التي لم يشهد خلالها السوق مثل هذا الزخم الهائل من التعديلات والتغييرات في تاريخ الاقتصاد الوطني. إجمالا؛ كان الرابح الأكبر من كل التطورات أرباب العمل، فيما لا تكاد تذكر أمام تلك المكاسب التي تحققت لأرباب العمل مقابلها المتحقق للعمالة الوطنية! فمقابل زيادة فرص التوظيف أمام العمالة الوطنية في منشآت القطاع الخاص، حدث مقابلها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: (1) أن زادت اشتراطات التوظيف. (2) زادت فترة التدريب أو الفترة التجريبية. (3) زادت بصورة مفرطة الفرص الوظيفية للمواطن والمواطنة في المستويات الوظيفية الدنيا، مقابل زيادة امتناع الوظائف العليا عليهما. (4) لهذا كان من الطبيعي جدا أن تتراجع متوسطات الأجور الشهرية للعمالة الوطنية. (5) اتسعت وزادت خيارات إنهاء عقد العمل، والتي كانت ضيقة جدا قبل تلك التعديلات. (6) تقلصت خيارات وصول الموظف السعودي للمناصب العليا. (7) زيادة تمكين أرباب العمل مقابل ضعف تمكين العمالة، مثال ذلك: قدرة أرباب العمل على رفض منح إجازة اليومين للعمالة الوطنية، وتصديهم لأي قرارات رأوا أنها قد تتعارض مع مصالحهم! يتمتع القطاع الخاص بوجه عام، وملاك كبرى منشآته على وجه التحديد بالعديد من الامتيازات، التي تكاد تضعهم في سلم الخيارات الأفضل بين مختلف شرائح المجتمع دون استثناء! فهم يتمتعون على سبيل المثال لا الحصر: (1) الاستفادة الكبرى من الدعم الحكومي ممثلا في انخفاض تكلفة استهلاك الطاقة والمياه والغذاء والدواء وغيرها من أوجه الدعم الحكومي، وهي استفادة أكبر بكثير مما يذهب إلى الشرائح الاجتماعية المستهدفة بذلك الدعم في الأصل! (2) الاستفادة التي تكاد حصرية بالنسبة لأولئك الملاك الكبار لمنشآت القطاع الخاص من الدعم الحكومي الممنوح من قبل صناديق التنمية الحكومية، عدا بعض الامتيازات التي يحظى بها أغلبهم في مجال تنفيذ المشروعات الحكومية الكبرى والمتوسطة. (3) الاستفادة من الدعم الحكومي في مجال دعم صادرات تلك المنشآت الكبرى إلى الأسواق الخارجية. (4) إنه لمن اللافت بالنسبة لعديد من تلك المنشآت الكبرى؛ حينما تكتشف أن شريحة كبيرة منها يمثل الدعم الحكومي والتحفيزات التي تستأثر بها تكاد تشكل نحو 100 في المائة من هوامش أرباحها، بمعنى أن الدولة لو قررت في أي وقت ما خفض تلك التحفيزات إلى النصف على سبيل المثال، فإن تلك الأرباح ستتحول فورا إلى خسائر فادحة! بمعنى أن تلك التحفيزات في صلبها تمثل جوهر أرباح تلك المنشآت، ولولاها لكنت رأيتها في عداد الشركات المفلسة! رغم كل ذلك؛ ما الذي جنته العمالة الوطنية من كل هذه التطورات؟ وقبلها بالدرجة الأولى، ماذا استفادت في الأصل من كل تلك المحفزات والدعم الحكومي السخي جدا الذي تحصل عليه تلك المنشآت الكبرى، وكبار ملاكها بالدرجة نفسها؟ قد يفسر البعض أن الحديث هنا قاس، وغيرها من التفسيرات التي لا أهمية لها من وجهة نظر الكاتب، كونها لن تصل على الإطلاق إلى القساوة المؤلمة جدا التي يتعرض لها موظف وموظفة القطاع الخاص! بل إنك حينما تدقق في الحالتين، فإنك على موعد حتمي مع نتائج صادمة جدا إلى حد بعيد، إلى الدرجة التي لا يمكن أن تستقيم خلالها المقارنة بين ما يتمتع به أرباب كبرى المنشآت في القطاع الخاص، وتلك التي تتمتع بها العمالة الوطنية في تلك المنشآت! إننا في حاجة ماسة إلى إعادة المراجعة الكاملة لتلك الملفات، والعمل الفوري على إصلاح الاختلالات الجاثمة فيها، واتخاذ القرارات اللازمة بخصوصها من قبل الدولة، وعدم تأخير هذه الإجراءات أكثر مما وصلت إليه من وعثاء وعناء لا يتحمله في الوقت الراهن إلا شريحة العمالة الوطنية في تلك المنشآت! هذا ليس خيارا أمامنا نؤجله أو نتأخر أمامه، بل إنه تحد تنموي مهم للغاية يجب الوقوف والتصدي له في أسرع وقت ممكن، ولا يبالغ الكاتب إن وضعه ضمن أكثر أولويات العمل التنموي الواجب معالجتها قبل غيرها من الأولويات التنموية، وهي كذلك بالفعل في مواجهة ما يجري في الوقت الراهن من زيادة التحديات والمعوقات، التي يواجهها الكثير من العمالة الوطنية في تلك المنشآت، تتعدد أوجهها المقلقة بصورة مخيفة. منها ما يمتد إلى إنهاء الخدمة، ومنها ما يمتد إلى التضييق على العمالة الوطنية، ومنها ما يمتد إلى بخص الحقوق المالية لتلك العمالة الوطنية على مستوى الأجور والترقيات والمكافآت السنوية، وغيرها مما يصعب ذكره في هذا المقال المحدود المساحة. وليس الحديث هنا بمجرد كلام عام أو فضفاض دون بيّنة، ولإثبات ذلك؛ عليك فقط أن تتصور ردة فعل تلك المنشآت الكبرى وأربابها حال تم إقرار دراسة ومراجعة تلك الأوضاع المريرة التي تعانيها العمالة الوطنية في أروقتها! إن مجرد غضبها وانفعالها ورفضها المطلق لمجرد التفكير بها، يشير قطعا إلى أن ما قد يكون خافيا عن الجميع في هذا الشأن، قد يكون أكثر صدمة من كل ما توافر لدى المراقبين والمهتمين بتوطين الوظائف في تلك المنشآت. إنني آمل أن يحظى هذا الملف المؤرق والمقلق جدا باهتمام أجهزة الدولة المعنية، وفي مقدمتها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وأن يجد من خلاله 1.6 مليون مواطن ومواطنة يعملون في منشآت القطاع الخاص، ومعهم أسرهم وكل من يعولونهم إنقاذا عاجلا من المعاناة المريرة التي تتزايد أعباؤها عليهم عاما بعد عام دون حلول مجدية. والله ولي التوفيق. نقلا عن الإقتصادية