العراق جسم مريض يعيش اختلاطات أو مضاعفات كثيرة. فلم ينفك ذاك الجسم الهزيل من علة حتى يصاب بأخرى بسبب الأولى، وهكذا.. بعد سقوط حكومة "المالكي" على وقع احتلال تنظيم "داعش" للموصل، التي كانت إحدى مفاعيل السياسات الطائفية التي ارتهن إليها نوري المالكي الذي أراد عراقاً لطائفة واحدة، ولم يدرك أن العراق من الصعب أن يغدو أعراقاً.. يبدو أن هناك من يرغب في الاستفادة من الشقاق العراقي الذي زرعت بذوره الحقبة السياسية الماضية بتنفيذ مشروع انفصالي.. الجدل الذي يدور اليوم بسبب تصريحات قادمة من واشنطن مفادها إحياء مشروع بايدن لتقسيم العراق الذي طرحه عام 2007 إبّان خدمته في الكونغرس يومها صوت بالرفض باراك أوباما عندما كان عضواً في المؤسسة التشريعية الأميركية، هذا الجدل جاء على خلفية تسليح السنة والأكراد كقوتين منفصلتين عن الحكومة المركزية وذلك بهدف إحداث توازن بين القوى. يدرك الساسة العراقيون أكثر من غيرهم أن السنّة في العراق أكثر الطوائف التي تعرضت للاضطهاد بعد دخول الجيش الأميركي، ساهم في ذلك بلاشك الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي في بغداد، فتم إقصاؤهم وإقصاء المتعاطفين معهم حتى من الشيعة، لكن ذلك لا يبرر أبداً أن يذهب العراق إلى بوادر تشظٍّ، بالرغم من بعض السياسات التي قد تحفّز على الانطواء واعتزال بعض المناطق، ولا أدل على ذلك إلا تلك الإجراءات التي تبين مدى دفع بعض المسؤولين العراقيين هذا البلد إلى التمزق، فأبناء الأنبار الفارين من "داعش" التي تمكنت من السيطرة على بعض المناطق السنية بسبب قصور الحكومة المركزية نفسها عن أداء مهامها، تفاجؤوا أنهم بحاجة إلى كفيل ليدخلوا عاصمتهم، تُشعر تلك الإجراءات بحالة من الاغتراب بين أبناء البلد الواحد وهنا الخطورة. الإدارة الأميركية بالرغم من مسارعتها التقليل من مشروع السيناتور ثوربيري -الذي يحاكي مشروع بايدن القديم- قالت إنه لا يستند إلى أي قوانين، ولا يعكس سياسة ومواقف الولايات المتحدة، وأنّ الرئيس أوباما، هو المسؤول الوحيد عن تحديد السياسة الخارجية للإدارة، إلا أن ذلك يوحي بأزمة حقيقية، إذ إن تلك الأصوات والمشروعات التقسيمية التي تخرج من أهم المؤسسات التشريعية في العالم قد تجد من يتبناها، وبالتالي قد تدفع العراق نحو حرب جديدة تحت رايات الانفصال، وهو أمر جد خطير، وقد تكون له انعكاسات سلبية إقليمياً ونشوء حالة استقطابية عالية، فالتقسيم في بلد مختلط الأعراق ليس حلاً نهائياً ناجعاً، بل إن تقسيم البوسنة فيما عُرف باتفاق دايتون مازال مثار جدل واسع، بالرغم من أنه أنهى تلك الحرب الشرسة قبل حوالي عشرين عاماً. المطلوب عراقياً أن تكون حكومة العبادي لكل العراقيين، وألا تبدو كما لو كانت وريثة لتركة "المالكي" التي يبدو أنها مازالت تلقي بظلالها على أرض الرافدين، وألا تعزز الشعارات الدينية لأغراض سياسية، وأن تدفع باتجاه القضاء على الميليشيات أو إدماجها نظامياً، وأن تعزز التنمية خصوصاً بعد الحروب التي دارت رحاها بين القوات العراقية و"داعش" في المناطق السنية، وأن تلتفت إلى الحقوق السياسية للمكون السني، وأن تلتزم بمعالجة بذور تكوّن التطرف في مناطق السنّة الذين يرفضون أن يكونوا أداة لتمزق العراق أو تقسيمه.