إذا كان الأخوان كون سيبرزان كنجمين سينمائيين حقيقيين من خلال ترؤسهما لجنة التحكيم في الدورة المقبلة لمهرجان «كان» السينمائي، هناك أخوان آخران ستكون لهما مكانتهما في الدورة نفسها. لكن هذين الأخيرين آتيان من عمق أعماق تاريخ الفن السابع لا من أحدث تجلياته. إنهما المؤسسان لويس وأوغوست لوميار، الأخوان لوميار الشهيران اللذان قدما ذات بعد ظهر باريسي قبل مئة وعشرين سنة، ذلك العرض المدهش في المقهى الهندي على الجادات الباريسية الكبرى إيذاناً بولادة فن السينما صورة متحركة عرفت منذ ذلك الحين كيف تحرك القلوب والعقول وجزءاً من التاريخ... دورة كان المقبلة والتي ستفتتح فاعليتها في الثالث عشر من أيار (مايو) الجاري ستفرد إذاً مكانة ومعرضاً للاحتفال بمرور تلك الدزينة من العقود على ولادة السينما على يد الأخوين الشهيرين، وذلك ضمن إطار فاعليات ما يسمى «كلاسيكيات كان». غير أن تظاهرة الأخوين المؤسسين لن تكون كل شيء. فـ «الكلاسيكيات» تبدو هذا العام حافلة في شكل استثنائي، تكريمات وعروضاً ومعارض ونبش ذكريات بين نشاطات لا تعدّ ولا تحصى إلى درجة يتساءل معها المرء: هل تكفي أيام المهرجان الاثني عشر لمشاهد جديد التظاهرات الرئيسية والمعارض وحضور التكريمات وبقية ما تبقى؟ الجواب هو: أبداً بالتأكيد. سيكون على المرء أن يختار القليل... فما الذي يمكن اختياره؟ صعوبة الاختيار بدءاً من استعراض فاعليات الكلاسيكيات وحدها يبدو الاختيار في غاية الصعوبة. فهناك من ناحية كوستا غافراس اليوناني - الفرنسي الذي يمكن اعتباره، وعلى الأقل بتحفته الكلاسيكية «زد»، واحداً من كبار رواد الفيلم السياسي الشعبي في السينما العالمية... وهو الفيلم الذي ساهمت الجزائر الرسمية بإنتاجه يوم عرف هذا البلد العربي فورة اهتمام مدهشة بفن السينما. كوستا غافراس سيكون ضيف الشرف في المهرجان الذي يعرض نسخة مرممة وجديدة من «زد» ( 1968) تم الاشتغال عليها تحت إشراف صاحب الفيلم نفسه، علماً أن غافراس كان نال «السعفة الذهبية» في «كان» عام 1982 عن فيلمه «مفقود» كما كان عضواً في لجنة التحكيم عام 1976، ونال جائزة الإخراج الخاصة عام 1975، كما نعرف أن «زد» نال جائزة لجنة التحكيم عام 1969. وبما أن عام 2015 هو عام الذكرى المئوية لولادة أورسون ويلز، سيكون من الطبيغي لـ «كان» الاحتفال بذكرى صاحب «المواطن كين» و «عطيل»، عبر عرض نسخة مرممة من الفيلم الأول والذي يعتبر واحداً من أهم عشرة أفلام في تاريخ السينما. لكن «المواطن كين» لن يكون فيلم ويلز الوحيد في العروض التذكارية للمناسبة، إذ هناك أيضاً «الرجل الثالث» من تمثيل ويلز وإخراج كارول ريد (1949) عن قصة لغراهام غرين و «السيدة من شانغهاي» (1948) من إخراج ويلز طبعاً، إضافة إلى وثائقيين عن ويلز نفسه حققا هذا العام لمناسبة المئوية... مانويل دي أوليفيرا المخرج البرتغالي الراحل قبل أسابيع عن أكثر من مئة عام يُخصّ بتكريم يتناسب مع حضوره «الكانيّ» المتكرر. وكذلك الحال مع المخضرم باربيت شرودر الذي يُخصّ بسهرة تلي عرض فيلمه الجديد «آمنيزيا» تتضمن عرض فيلمه الكلاسيكي «مور» (1969) في نسخة رُممت ألوانها. إضافة إلى هذا كله، وبغضّ النظر عن الأفلام الكلاسيكية الكثيرة والمتنوعة الآتية من التاريخ الباهر للفن السابع والتي ستقدم في عروض خاصة، إما في القاعات المتعددة، أو في الهواء الطلق، هناك الكثير من التكريمات و «التذكارات» الأخرى. فإنغريد برغمان، نجمة السويد الأميركية الكبيرة الراحلة قبل سنوات عدة، سيكون لها تكريم حافل مع عرض لبعض أفلامها... وربما يمكن القول أن تكريم برغمان هذا العام يأتي مزدوجاً وتحديداً من خلال حضور ابنتها الممثلة إيزابيل روسليني في رئاسة لجنة تحكيم تظاهرة «نظرة ما» – التي تعتبر ثاني أهم تظاهرات المهرجان - ما سيشكل في الوقت نفسه مناسبة إضافية لتكريم من كان يوما زوج إنغريد برغمان ووالد إيزابيل، المخرج الإيطالي الكبير الراحل روبرتو روسليني. من عثمان إلى هتشكوك أما من ناحية «التكريم بالجملة» فهناك تكريم لسينمائيين من الأرجنتين وآخرين من روسيا ومن المجر، عبر عروض بعض أفضل أفلامهم. أما من فرنسا، فإن تكريماً خاصاً سيكون من نصيب جوليان دوفيفييه أحد كبار كلاسيكيي سينما منتصف القرن العشرين الفرنسية، والكاتب والسينمائي مارسيل بانيول صاحب ثلاثية «ماريوس، فاني، سيزار» الشهيرة والذي يتخذ تكريمه في «كان» الواقعة كما نعرف في الجنوب الفرنسي، طابعاً خاصاً بل محلياً أيضاً، إذ إن بانيول عرف كمبدع في تصويره الحياة البسيطة في هذا الجنوب الفرنسي نفسه. وعلى ذكر «الجنوب» لا بد من الإشارة أيضاً إلى التكريم الخاص الذي سيكون من نصيب «والد السينما الأفريقية الشرعي» المخرج الراحل سمبان عثمان ابن السنغال الذي عرف مهرجان «كان» عروض الكثير من أفلامه مثل «سوداء فلان...» و «مولادي» و «الحوالة»... وأخيراً سيكون هناك تكريم مزدوج للسينمائيين الكبيرين الراحلين، الأميركي - البريطاني ألفريد هتشكوك، والفرنسي فرنسوا تروفو... ويقيناً أن جزءاً أساسياً من هذا التكريم المزدوج سيدور حول الكتاب الذي بات كلاسيكياً وطبع وترجم مرات عدة متضمناً أشهر حوارات في تاريخ السينما وثقافتها: تلك التي أجراها تروفو مع أستاذه الكبير هتشكوك في سنوات الستين. أما المفاجأة الأساس في هذا السياق فستكون في الفيلم التسجيلي المعنون «هتشكوك - تروفو»، والذي حققه كين جونز من كتابته شراكة مع الناقد الفرنسي سيرج توبيانا، ويتضمن على مدى ساعة ونصف الساعة تقريباً مشاهد من جلسات الحوار بين المخرجين الكبيرين.