في المجتمعات المنفتحة (open socities) أي تلك التي تحكم وفق تشريعات بشرية (قوانين وضعية) يعد التحرش بمختلف أنواعه المعنوية والمادية، وتباين وسائله وأدواته جناية كبرى بل يرقى في بعض الأحوال إلى مستوى الجريمة في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى إذ يُعاقب مرتكبوها وفاعلوها بأحكام مغلظة تصل في بعض الأحيان إلى السجن الممتد أو المؤبد، وظاهرة التحرش ظاهرة معولمة، فهي موجودة في دول العالم كافة والبالغ عددها (196) دولة وكل دولة من تلك الدول تتعاطى مع تلك الظاهرة وفق قوانينها وأنظمتها، ووطني المملكة العربية السعودية ليس بدعًا في هذا الكون من هذا العالم، فظاهرة التحرش موجودة وملموسة لا ينكرها إلا مكابر ولا يتجاهلها إلا جاهل أو غافل وما المقطع المصور المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي «يوتيوب» و»تويتر» الذي لم تتجاوز مدته دقيقتين وبالتحديد «دقيقة و49 ثانية» لزمرة من الشباب وهم يلاحقون (يتحرشون) (5) فتيات في أحد المراكز التجارية الكبرى بالمنطقة الشرقية، بل ويلاحقونهن إلى مواقف السيارات ويحتكون بهن جسديًا إلا أبلغ دليل على أن ظاهرة التحرش بلغت مبلغاً لم يكن متوقعاً أو محسوباً خاصة في ظل غياب وسائل الضبط الاجتماعي!! قبل شهرين اعترض ثملٌ في ميدان (جورج سكوير) في مدينة غلاسكو الأسكتلندية بعض النسوة المتبرجات محاولاً تقبيلهن، وما هي إلا لحظات وهو في يد السلطة إذ أطبق عليه رجال شرطة أشداء وأقتادوه إلى المخفر وربما هو الآن في انتظار المحاكمة إذ وجهت له ثلاث تهم منها التحرش، ممارسة العنف السافر والاخلال بالسلم المجتمعي في ميدان عام (ملك للجميع)!! وبعد يومين من حادثة التحرش، حملت الصحف إلينا خبر اطلاق نظام الحماية من الإيذاء وهو النظام الذي ينطوي على تجريم العنف الأسري وكون هذا النظام سيفعل قريباً بعد اعداد اللائحة التنظيمية، ثمة سؤال:لمَ لا يتم إدراج «التحرش» في هكذا نظام فالتحرش بعينه يعد نمطاً من انماط الايذاء أن لم يكن من أشدها؟! وقبل أن نختم مقال اليوم دعونا نتأمل في الارقام التي لا تكذب ونتألم من تداعياتها كل بحسب منهج تفكيره فمناهضة هكذا ظاهرة هي مسؤولية الجميع أي مسؤولية مجتمع يحتاج إلى إعادة النظر كرتين في أسأليب التنشئة فبحسب ما نشرته جريدة الحياة العدد (18465) الصادر يوم الخميس (24 /10 /2013م) 19 /12 /1434هـ (ص6) بلغ عدد قضايا «التحرش» في المملكة خلال العام الجاري (2797) قضية احتل فيها المواطنون المرتبة الأولى بتهم «التحرش» بنسبة (59.9%) ما يعادل (1669) بنحو (1128) قضية وتنقسم قضايا التحرش إلى (استدراج حدث) أو (مضايقة النساء) واحتلت منطقة الرياض المرتبة الأولى في عدد القضايا بواقع (650)، ثم جدة بـ (250) والمنطقة الشرقية بـ(210) ثم مكة المكرمة (180) والمدينة المنور (170) واللافت في الإحصائية الآنفة أن الجاليات المقيمين بيننا احتلوا المرتبة الأولى في قضايا (استدراج الأحداث) و(مضايقة النساء) (100) قضية تحرش بالنساء و(40) استدارج المتهم فيها يمنيون و(50) قضية تحرش بالنساء و(10) استدراج ا لمتهم فيها مصريون و(25) قضية تحرش بالنساء و(23) استدراج المتهم فيها باكستانيون و(27) قضية تحرش المتهم فيها سوريون و(29) قضية تحرش المتهم فيها بنغاليون. ما الحل يا ترى ؟ الحل في نظرنا هو اعادة النظر في أساليب التنشئة الاجتماعية وبالتوازي أساليب التربية على المستوى الأسري والمستوى المدرسي ، وتعريف الناس بالحقوق والواجبات وتطوير نظام الحماية من الإيذاء وإدراج التحرش بكافة أنواعه باعتباره ضرباً من ضروب الايذاء . إن التحرش مرض يحتاج الى عناية وثمة مرضى مصابون بمتلازمة العباية !! As-dirbas@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (34) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain