لم تقض الأحداث الدائرة في سورية منذ أعوام على ضحايا من البشر والحجر فقط، بل «قضت أيضاً على طموحاتنا وأحلامنا الدراسية والعملية»، وفق هشام نصير الشاب السوري ابن الثانية والعشرين، الذي أتى إلى لبنان مرغماً بعد دمار جزء من منزل عائلته في حمص، راغباً في إتمام دراسته الجامعية، إلا أنه اصطدم بعوائق عديدة منعته من تحقيق ما كان يصبو إليه. أعداد اللاجئين السوريين في لبنان التي تقارب رسمياً مليوناً ونصف مليون من اللاجئين، تضم بطبيعة الحال نسبة لا بأس بها من الشباب في عمر الدراسة الجامعية، سواء ممن أنهوا دراستهم الثانوية طامحين للانتقال إلى المرحلة الجامعية، أم أولئك الذي انقطعوا قسراً عن دراستهم الجامعية ويريدون إتمامها، بالإضافة إلى الذين أنهوا دراستهم الجامعية الأساسية وينوون خوض غمار الدراسات العليا. ويبدو أن منحاً كثيرة متاحة للسوريين في الخارج، لكن قد تحول بينها وبين الشباب السوري أمور شتى كالقدرة على السفر: امتلاك جواز سفر والحصول على فيزا، وعائق اللغة... ووفق ما يرويه العديد من الشبان والشابات السوريين الراغبين في الدراسة الجامعية في لبنان فالصعوبات والعوائق التي تعترضهم ليست نادرة، بل هي متعددة وشديدة، ويذكرون منها: ارتفاع الكلفة المادية، عدم توافر المنح المناسبة، اختلاف مناهج التعليم بين البلدين، اللغة الأجنبية... يروي مصطفى الشامي كيف أنه اضطر إلى ترك دراسته في جامعة دمشق حيث كان يدرس الاقتصاد هرباً من ملاحقات أمنية له بعد مشاركته في نشاطات سلمية معارضة للنظام في ريف دمشق، وأنه بعد أن انتقل إلى لبنان رغب في إتمام دراسته وقصد جامعة خاصة من المستوى المتوسط على حد تعبيره، وأتم تسجيله فيها وباشر الدوام على رغم الكلفة المادية المرتفعة التي تصل إلى أكثر من 4000 دولار أميركي للعام الجامعي، معولاً على مساعدات مادية وتسهيلات بالدفع تؤمنها الجامعة لمن هم في مثل حالته كان مكتب التسجيل قد وعده بها، إلا أن «حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر» ولم تأت المساعدات الموعودة، ولذا فالشامي يحاول الآن نقل دراسته من هذه الجامعة الخاصة إلى الجامعة اللبنانية الرسمية حيث الكلفة معقولة ويمكن له تدبرها. من جهته استفاد جورج من منحة لدراسة الديبلوم في جامعة خاصة عريقة مقدمة من الجامعة نفسها، وبعد أن أثبت جديته واجتهاده، نال منحة أخرى تغطي 50 في المئة من قيمة الرسوم المتوجبة لدراسة الماستر، ويقول: «تبقى الكلفة مرتفعة بالنسبة إلي، ولكن مع إمكان تقسيط البدل المالي على طول سنتي الدراسة، يمكنني من خلال عملي أن أسدد القيمة المتوجبة عليّ»، معتبراً أنه الرابح في هذه المعادلة نظراً إلى أن الشهادة التي سينالها حاملة اسم جامعة عريقة معروفة بالمستوى الجيد لطلابها. أما منحة علوان الذي بدأ دراسة الأدب الإنكليزي في جامعة حلب ولم يستطع إتمامها، فقد نالها بواسطة منظمة «جسور» التي أتاحت له متابعة تحصيله العلمي في الاختصاص الذي يحب، مما يشعره بالرضا رغم خسارته لسنة جامعية كاملة حين قام بمعادلة مواده في جامعة دمشق لتقبل في جامعته الجديدة. و «جسور» هي منظمة سورية غير ربحية تساهم في «تسخير الطاقات الهائلة للمغتربين السوريين حول العالم لدعم تنمية بلادهم ومساعدة الشباب السوري... من خلال برامج أكاديمية للطلاب»، وتشير إحصاءات المنظمة إلى 238 طالباً أرشدتهم لدخول الجامعات من خلال برنامج الإرشاد الأكاديمي الذي يقدم النصائح للطلاب حول عملية التقدم للجامعات والخيارات الأكاديمية كما قدم 204 منح أكاديمية في أوروبا وأميركا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى نشاطات أخرى في مجالات موازية. وبالإضافة إلى «جسور» تشارك مبادرات سورية أخرى على مواقعها على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مثل «دوبارة» و»All Syrians in Lebanon» بنشر أي منح أو تسهيلات أكاديمية متاحة للسوريين في لبنان والخارج. وعلى رغم أهمية وحقيقة الصعوبات التي تعترض سبيل الشباب السوري في الطريق نحو الدراسة الجامعية في لبنان، إلا أن نبال عبدالرزاق يثير هماً مختلفاً، شارحاً كيف تتم معاملته كشاب لاجئ، إذ يعتقد البعض أن اهتماماته محصورة في تأمين السكن ولقمة العيش، متناسين حقه الأساسي في التعلم ومتابعة الدراسة، «فهذا ليس ترفاً في عالم اليوم، الدراسة في المجال المناسب أساسية لتحقيق إنسانية الإنسان»، ويكمل أنه لن يموت جوعاً أو برداً على رغم أنه رأى خلال السنين الماضية حالات إنسانية كاد أصحابها يموتون جوعاً أو برداً، فهو واثق بأنه يستطيع الاهتمام بنفسه وتأمين الحد الأدنى اللازم لمعيشته، «ولكن هل سأقضي حياتي كلها على هذا المنوال؟ أريد أن أكون المحامي الذي أردت أن أكونه يوماً»، ويرفض نبال أن يسمح لمن دمر منزله وحياته وأجبره على الابتعاد عن بلده بتحطيم طموحه أيضاً، وهو يسعى الآن لتأمين منحة تمكنه من دخول جامعة بيروت العربية ليبدأ دراسة الحقوق، على رغم خشيته من امتحان القبول الذي عادة ما يكون شرطاً أساسياً. سواء أعاد الشباب السوري في الشتات إلى بلده يوماً ما أم فضل الانطلاق كما الكثير من أمثاله نحو بلدان تكفل لهم حياة أكثر أمناً واستقراراً وحرية، يبقى التحصيل العلمي الجامعي بالنسبة إلى فئة عريضة منهم ذخيرة لا بد منها لإعادة بنائهعلى أسس جديدة أو دعمه من حيثما وجدوا وعاشوا، الأمر الذي يبدو واضحاً في الجهود التي يبذلونها في هذا السياق على رغم الهموم الأخرى التي تثقل كواهلهم.