في هذه الأيام يحلو للناس ترديد عبارة: (الزمن لا يعود إلى الوراء)، معتقدين أن ثورة المعلومات والاتصالات التي توفرت لهم فجأة يمكن أن تشكل حصانة ضد أي فكرة رجعية تعيد المجتمع للعيش في عصور قديمة لا علاقة لها بكل هذا العالم المتغير من حولها، ولكن هذا غير صحيح في أحيان كثيرة، وشواهد التاريخ لا حصر لها، مثلا.. في أحياء كابول الراقية قبل 40 عاما كان الناس يتخيلون أن الزمن لا يمكن أن يعود إلى الوراء، فتخسر المرأة حقها الطبيعي في التعليم، ولكن الزمان عاد إلى الوراء فعلا وحرمت النساء من حق التعليم في عهد طالبان. أما وسائل الاتصال والتواصل الحديثة التي نعتقد أنها يمكن أن تشكل وعيا مجتمعيا يمنع العودة إلى الوراء، فهي قد تكون أسرع طريق للعودة إلى الوراء، حيث يمكن أن تشكل عاملا مساعدا لترك هذا الكون الفسيح والعيش داخل عصبيات دينية وعرقية صغيرة، قبل 30 عاما لم يكن لدى الناس في سوريا والعراق من مصادر للمعرفة والاتصال بهذا العالم سوى الكتب، وكانت كل مصادر المعلومات والاتصال بيد النظام العسكري، حيث تحتاج رسالة الفاكس إلى ترخيص من الأجهزة الأمنية، ورغم ذلك كان الناس الذين ينتمون إلى أديان ومذاهب متباعدة وينحدرون من عرقيات مختلفة يجسدون واحدة من أقدم وأجمل صور التعايش الإنساني على كوكب الأرض، كانوا جيرانا وأصدقاء وزملاء عمل ولا يتخيلون أبدا أن الزمن يعود الزمن إلى الوراء، فيتم تصنيف الناس على أساس انتماءاتهم الدينية والمذهبية، ولكن هذا ما حدث ــ للأسف الشديد ــ حيث عاد الزمن إلى الوراء مدعوما بوسائل الاتصال الحديثة التي تنقل لنا كل يوم فيديوهات الذبح على الهوية. كذلك لم يكن المثقفون الاشتراكيون في اليمن وليبيا يتخيلون أن الزمن يمكن أن يعود إلى الوراء بهذه السهولة وتحل القبيلة من جديد بديلا للدولة التقدمية الاشتراكية!، لا شك أن السير إلى الأمام فيه مشقة للإنسان، ولولا المشقة ساد الناس كلهم ــ كما يقول أبو الطيب، وفي هذا الزمان المضطرب المتقلب قد يختار الإنسان أن يتوقف عند نقطة معينة كي يتجنب مشقة ما، وهنا يبدأ وسواس العودة إلى الوراء، وأعوذ بالله من كل وسواس خناس، فهو وسواس شديد الإغراء يوهمك بأنك حين تسير الأمام فإنك تمضي إلى ما لا تعلمه، أما حين تعود إلى الوراء فإنك تمضي إلى ما تعلمه جيدا وسبق أن مررت به، ومن هنا تبدأ المأساة حيث تكتشف متأخرا أنك أصبحت تتكبد مشقة أكبر في مكان بعيد جدا عن النقطة التي يتواجد فيها بقية البشر، فلا يسمع نداءاتك أحد!، ربما لهذا السبب تحرص الأمم المتقدمة على سن التشريعات التي تحصن مجتمعاتها من العودة إلى الوراء؛ لأنها وصلت إلى قناعة بأنه لا ضمانات دون قانون. ** قبل سنوات قليلة، سأل أحد الأشخاص شيخا شهيرا عن حكم الصلاة على سطح القمر فغضب الشيخ لسؤاله، ولم يكن الغضب بسبب أن هذا السؤال جاء على سبيل الفذلكة، بل لأن هذا الشخص يصدق أن الإنسان وصل فعلا إلى سطح القمر!، حاول الرجل تعديل سؤاله بالقول: إذا افترضنا أنهم وصلوا في يوم من الأيام؟، فقال: (ما هم واصلين يضحكون عليك وعلى المساكين اللي مثلك)!، هذا رأيه وهو حر، ولكنه رأي لا يتوافق مع الحقائق التي يعيشها العالم اليوم ويعمل على أساسها، فلولا علوم الفضاء لما انتشرت الأقمار الاصطناعية، ولولا الأقمار الاصطناعية لما توفرت قدرة التواصل لشبكات الإنترنت التي تنقل فتاوى وآراء وأفكار الشيخ، وهكذا.. في الأحوال العادية يفضل عدد كبير من الناس أن يفكروا في احتمال عدم وصول الإنسان إلى سطح القمر قبل أكثر من أربعة عقود من الزمان على أن يقولوا بأن طرح الشيخ ينتمي إلى العصور الوسطى، يظنون أن هذا هو الطريق الأسهل للابتعاد عن الإثم، ولكن قد يكون في تجاهل الحقيقة ــ ولو على سبيل المجاملة ــ إثم أكبر، فهو مفتاح العودة إلى الوراء!. klfhrbe@gmail.com للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ،636250 موبايلي، 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة