الكل يجمع بأن أدوات التواصل الاجتماعي قد تحولت إلى دولة افتراضية لها جوازاتها ودستورها وشعبها وزوارها حيث لا رقابات ولا ممنوعات ولا أخطاء أو «فلترة» ولا رتوش أو تجميل على النص (ربي كما خلقتني) من فم الكاتب إلى أذن القارىء مباشرة. صحيح إن ذلك ساهم بإنزال لغة الحوار والأفكار وطرائق التفكير من العام كمنتج محكوم بأطر لغوية وثقافية واجتماعية متوارثة إلى الخاص حيث يتحاور الناس على طريقتهم «ويتهاوشون» بمفرداتهم «العامة» كما يحلو لهم، لكن هذه الأدوات كانت أيضا هي أول من كسر حاجز هذه الرقابات تاريخيا وبشكل لم يسبق له مثيل مما ضيق الفارق بين الصورة الموسومة والصورة الحقيقية للمجتمع وكان من تداعيات ذلك تعميم الكتابة السطحية، على حساب التحليل والتركيب وكشف الأبعاد المتعددة للموضوع كما ساهم في انتشار القراءة الايديولوجية المسطحة التي أصبحت أفضل طريقة للتشويه على الحقيقة. من خلال هذا الاستخدام المفرط لهذه الأدوات، مازال الجيل الجديد يبحث عن هوية جديدة لم تتشكل بعد ولم يعد لنا دور في تشكيلها بعد أن فرطنا لهذا الدور من خلال احتكار الحقيقة المطلقة وأساليب الرقابات الجامدة التي ساهمت صرامتها في سرعة الارتداد وعمق الانغماس في هذه الأدوات، وهو ما سوف يصنع الفارق مستقبلا على حساب الأدوات التقليدية المؤدلجة سياسيا وفكريا وثقافيا والتي كنا للأسف نعتقد بأنها ستدوم إلى الأبد!!.