×
محافظة الحدود الشمالية

مصرع أربعة من أبناء مديرة مدرسة إثر حادث مروع بعرعر

صورة الخبر

في الدرعية كانت أمسية افتتاح حي البجيري بحضور ورعاية خادم الحرمين حفظه الله، من أمسيات الوطن الوطن التي لا تنسى لأنها تستعيد تاريخ الوحدة والتلاحم الذي نشأ عليه أبناء هذه البلاد. فالدرعية رمز وطني على المستوى الديني والسياسي والاجتماعي وهي تعيد مسألة "المواطنة" إلى صدارة الحدث الثقافي، فهذه المسألة التي يبدو أنها أهملت على مستوى الجيل الشاب في المملكة فأصبح هذا الجيل بعيداً عن تاريخ وطنه وقصص البناء التي بذل من أجلها آباؤه وأجداده الغالي والنفيس. المواطنة، هي بيت القصيد، فنحن لا نهتم فقط بالطين والحجر، ونعيد الأمكنة للحياة من أجل لا شيء، الأمر ليس رفاهية وعواطف، بل هو من أجل الحفاظ على ذاكرة المكان، على ذكرى الرجال والنساء الذين مروا وعاشوا في هذه الأمكنة، والدرعية كانت بداية هذه الدولة المباركة منذ حوالي ثلاثة قرون وشكلت انطلاقة لقيم ومبادئ ظلت ثابتة على مر الزمن وساهمت في تكوين شخصية الإنسان والمكان في جميع الأجزاء التي تحتلها المملكة من شبه الجزيرة العربية. "الشخصية السعودية" مرتبطة بالدرعية ومن أسس الوحدة التي انطلقت منها، ويجب أن تكون بداية استعادة المكان الذي تشكلت منه هذه الشخصية في منتصف القرن الثامن عشر هي بداية استعادة الشخصية السعودية في بداية القرن الواحد والعشرين. عيش السعودية في جزء منه يعنى بلحظة الاكتشاف المبهرة التي تُسكن الوطن في قلوب المواطنين، بلادنا تملك عبقرية مكانية لا يمكن أن تجدها في بقعة أخرى على وجه الأرض، لكن هذه العبقرية لم تكتشف بعد. في اعتقادي أن مشروع عيش السعودية يمكنه أن يضع عبقرية الأمكنة الوطنية على الخارطة الذهنية للمواطنين ولعلي هنا أشير لمشروع "عيش السعودية" الذي تم الإعلان عنه في أمسية الدرعية، فهذه الفكرة التي أطلقها الأمير سلطان بن سلمان تستحق التوقف والتفكير لأنها تعنى بالمواطنة، مهمتها "فتح قلوب المواطنين وإدخال الوطن فيها" على حد قول الأمير، وهذا لا يمكن تحقيقه بالقوة ولكن بالاكتشاف والمعرفة وباستعادة الحب للمكان والكيان الكبير. قبل أيام كنا مع الأمير سلطان في مدينة الوجه في منطقة تبوك، وهي المرة الأولى التي أزور فيها هذه المدينة التي تطل على البحر الأحمر، مكان مذهل ببساطته وعفويته وعمقه التاريخي، وبحفاوة أبنائه. البلدة القديمة نسيج جمالي إنساني يتداخل مع البحر بتواضع وحب. عندما تشاهد البلدة من الطرف الآخر تكتشف أن هناك الكثير من الأمكنة في بلادنا التي تحتاج أن يعرفها المواطن ويعيشها بجوارحه. عيش السعودية في جزء منه يعنى بلحظة الاكتشاف المبهرة التي تسكن الوطن في قلوب المواطنين، بلادنا تملك عبقرية مكانية لا يمكن أن تجدها في بقعة أخرى على وجه الأرض، لكن هذه العبقرية لم تكتشف بعد. في اعتقادي أن مشروع عيش السعودية يمكنه أن يضع عبقرية الأمكنة الوطنية على الخارطة الذهنية للمواطنين وهذه مهمة تحتاج إلى تأنٍ وعمل دؤوب تقوم به هيئة السياحة والآثار في الوقت الراهن. في الوجه توقفنا عندا قلعة الزريب والفضاء الطبيعي الخلاب الذي يحيط بها وتشكيلات الصخر المنتشرة حولها، إنها الجغرافيا والعمارة التي تميز كل بقعة من بلادنا يجمع بينها حكاية المكان التي تدخل الناس في المشهد "الدرامكاني". هذه المشاهد هي التي ستجعل من "عيش السعودية" برنامجاً وطنياً خلاقاً يهتم بالمعايشة وبالتجربة وبفهم "عمق" الوطن المكاني وسيجعل المواطن يشعر بنعمة الوحدة الوطنية التي جعلت من كل المواطنين منظومة ثقافية واحدة. في اعتقادي أن مشروعاً بهذا الحجم يجب أن تكون مهمته الأولى استعادة القيم الجوهرية التي تجمع أبناء الوطن والتي قامت عليها فكرة الوحدة واستمرت لثلاثة قرون. عندما زار وزير التعليم هيئة السياحة يوم الأربعاء الفائت، كان الحديث منصباً على "كيف يمكن أن تساهم الوزارة في مشروع عيش السعودية" وأنا أرى أن البداية هي التعليم وعيش السعودية يجب أن يكون ضمن المنهج الدراسي في ثناياه وليس برنامجاً مستقلاً، يجب أن يكون ضمن كل مادة دراسية وفي طرق التدريس، أن يكون الخلفية "الذهنية/ المعرفية" التي تتمثل فيها المادة العلمية لا أن يكون معزولاً عنها. يجب أن يعمل التعليم على تكريس المعرفة بالوطن وبالرموز والمنجزات الوطنية ولكن ليس بأسلوب التلقين الجبري لكن بأسلوب المعايشة والتجربة. وأقترح هنا أن تعمل وزارة التعليم مع هيئة السياحة على تطوير دليل أو ما يسمى Toolkit يرشد المعلمين من الصف الأول الابتدائي وحتى الثالث ثانوي حول التراث الوطني كمجال "تجريبي" ويكون الوطن هو المختبر الكبير الذي تتمثل فيه الأحداث والمعارف. الفكرة تقوم على تعزيز المبادئ والقيم التي قامت عليها بلادنا بحيث تكون الأمكنة التي تشكلت فيها هي مجال استحضار هذه القيم واستذكارها. منهجية التعليم وأساليب التدريس يجب أن تتغير إلى "حل المشكلة" و "التجربة التي تصنع المعرفة" وأرى أن مشروع عيش السعودية فرصة سانحة لوزارة التعليم كي تبدأ منه تغيير شخصيتها التعليمية التقليدية إلى شخصية مبنية على الاكتشاف وبناء المعرفة الذاتية لدى الطلاب. يتفق معي الكثير أن التعليم هو بوابة الدفاع الأول عن القيم والآرض والثقافة المجتمعية، هو الدرع الذي يصنع "الوقاية الداخلية" ويعزز من التماسك واللحمة الوطنية، لذلك يجب أن يتطور التعليم ليحقق هذه الأهداف. المسألة بحاجة إلى دمج التعليم بالواقع التاريخي وبالمكان المعاش لا مجرد الانغلاق في الفصل الدراسي، وأرى أن فكرة الأمير سلطان أن ينطلق مشروع "عيش السعودية" من إحدى مدارس الرياض التي انطلقت منها بداية التعليم في المملكة تعبر عن هذا الالتقاء بين التعليم وبين فكرة "عيش الوطن". إذا كان هدف "عيش السعودية" هو إداخل الوطن في قلوب المواطنين فهذا يقودنا إلى مفهوم "ترسيخ الوطن" في أذهان الناس، وهذا يتطلب فلسفة جديدة في التعامل مع كل مظاهر الحياة في بلادنا تبدأ من الثقافة العامة بما في ذلك ثقافة المرور والنظافة العامة وترسيخ الآداب المجتمعية التي هي أساساً مبادئ أساسية يحث عليها ديننا الحنيف، إلى بناء المعرفة الوطنية حول التاريخ والتراث الوطني، إلى ترسيخ قصص المكان وبناء الذاكرة الوطنية التي تجعل المواطنين جزءاً مكوناً للوطن لا مجرد جزء يعيش على الأرض ويفتقر للروح والانتماء. عيش السعودية، كما أراه، مشروع يبني مرجعية للمواطن ويعيد توجيه بوصلته نحو قلب الوطن. لمراسلة الكاتب: malnaim@alriyadh.net