عاصفة الأمل أيقظت عندي الأمل وأغنتني عن ردود الأفعال المحبطة بعد مقالي السابق والذي قدمت في نهايته همسة أذن قلت فيها: «في ظل سعي النخب للتغيير والخير ستظل الأصوات الناشزة موجودة، وسيظل التحضر نورا في وجه الظلام». فكم من التعليقات التي جاءتني مؤيدة وتنشد الأمل من وراء التواصل واللحمة بين أطياف المجتمع السعودي، ولو أن هناك أصواتا يائسة ومنهكة من محاولات ومبادرات كثيرة وسابقة في هذا الصدد تتحدث عن عدم شفافية وجدية من طرف من الاطراف كون المعتقد ما زال مسيطرا على الفكر والسلوك والانتماء. وأعتقد أن أولى خطوات إعادة الأمل لبسط ذراعي اللحمة الوطنية تلمس هواء الحب وتفريق غبار الكره والتعصب، فالمشوار يبدأ لزراعة حدائق اللحمة والوحدة الوطنية بإزالة أوساخ وأتربة الغلو والتطرف، وقطع الطريق على مسوقي بضائع الشر والغلو باسم الدين، والتفكير والتمحور نحو المشتركات الإنسانية والوطنية، ثم سعي النخب لمبادرات مد الجسور لما يخدم اللحمة الوطنية، فمبادرات مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني مع أهميتها ودورها الفاعل إلا أن المبادرات المنتظرة تكون من النخب والحكماء، وكم أعجبتني المبادرات الإيجابية من الأستاذ حجي النجيدي وبعض مثقفي ومثقفات القطيف والأحساء، ولو أنها بداية لخطوة مشكورة تحتاج للتعزيز، هي الآن تحتاج عاصفة صادقة لخطوات للأمام تقيم صرحا من الشفافية، وتزيل غبار المظلومية، وتؤسس دورا حقيقيا لمبادرات يشارك فيها الشيوخ والعقلاء والإعلاميون والمثقفون والشباب لتمهيد دروب من التواصل لتعزيز الوحدة واللحمة الوطنية، ولعلي هنا أقدم مجموعة من المساهمات التي تحتاج النظر والتأمل كخطة طريق قادمة تنشد ربيعا من الحوار والحب والانتماء للوطن وقيادته والتمحور حول تنميته وتعزيز ثوابته ولعل منها: 1- التركيز على الأمن الفكري لمواجهة مستجدات التقنيات الحديثة، ومراقبة ذلك لحماية الأجيال والبلاد من أخطاره. 2- العمل على تشريع تجريم إثارة الفتن والنعرات على المستويين المحلي والإقليمي باستغلال الدين أو أي وسيلة أخرى. 3- تعزيز ثقافة الوحدة الوطنية الاندماج التنموي وترسيخه للعمل على مواجهة الأفكار الضالة. 4- عقد لقاءات دورية لاطياف المجتمع، لمعالجة المستجدات على الساحتين المحلية والدولية. 5- تعزيز المناهج التربوية والتعليمية بما يخدم اللحمة الوطنية في المدارس والمعاهد والجامعات ووسائل الإعلام. 6- دعم جهود المؤسسات المختلفة والشخصيات البارزة لما يخدم الوحدة الوطنية للقيام بواجبها في مساندة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية لتقوم بمسؤولياتها تجاه الأمن الوطني والتفكير جديا في «الميثاق الوطني». والواقع أن الناظر لحادثة «الدالوة» يقف عند درس للحمة الوطنية - والتي ساهمت فيها كل اطياف المجتمع - واضحا في عاصفة الحزم؟ ولكم أعجبني حرف وطني لشاعر الأحساء أ. جاسم الصحيح مغردا للوطن وأهله قائلا: وطني إن رصيدا من هوى عاشه الأجداد ضاعفنا ادخاره منذ أسندناه كالطود على ألق الأرواح لم نخش انهياره من صفا الحب إلى مروته لم يبـّدل ذلك المسعى مزاره والحقيقة أننا اليوم بحاجة ليرى المجتمع بكل أطيافه مواقف وتكاتفا في الأزمات ولحمة مع الوطن وقادته، لنرى الشعراء والإعلاميين والشيوخ والمفكرين والشباب صفا واحدا ليكون الوطن أولا، ثم إننا في المقابل بحاجة لإعادة النظر في المفاهيم الحقيقية لمعنى حب الوطن وتعميقه في النفس على أسس من العلم والشورى ومعرفة عواقب غيابه في النفس، فالحديث عن الوطن وحبه وكرامة المواطن فيه ليس حديثا مترفا كما يظن البعض، فكرامة الإنسان في الوطن الذي يعيش فيه هي التي تصنع الانتماء الفعلي والتلقائي، فالذي يجب أن يركز عليه هو الحرص بجدية وبفاعلية أكثر على تقوية البنية الداخلية التي هي مركز قوة الدائرة ودرعها الواقية لسلامة الوطن، والصخرة الصلبة التي تتحطم عليها جميع المحاولات التي تضر بالمصالح الخاصة والعامة، ولا أنسى كلمة قالها لي رئيس الوزراء الأسبق لماليزيا مهاتير محمد Cultural Pluralism وهو يتحدث عن فكرة الوحدة الوطنية، مؤكدا أن المعيار الذي ينطلق منه معارضو التنوع الثقافي تعسفي ومخالف للفهم الصحيح للإسلام، ويرد عليهم في فصل سماه (الإسلام والأسلمة) في كتابه «طبيب في مجلس الوزراء» ليقول: «إن القرآن يدعو إلى إقامة مجتمع إسلامي..، لذا فالمسلمون مأمورون بالتسامح وقبول الآخر، فالقانون والعدل هو الذي يجعل المجتمع إسلاميا»، ونرى التسامح ذلك في مجتمع متعدد كماليزيا، فالصيني والهندي لا تؤثر عقائده على ولاءاته فالكل يرفع شعارا هو «ماليزيا الواحدة». الأستاذ المساعد بجامعة الملك فيصل