تفاءلنا نحن السوريين كثيراً بانفجار غضب الشعب السوري على حكامه الديكتاتوريين أخيراً، وظننا ان من المستحيل أن يحصل لمدنه ما حصل لمدينة حماة أوائل الثمانينات من تدمير ممنهج، لأن الزمن اختلف كثيراً. فانتفاضته تحصل في ظل نظام عالمي جديد يرفع فيه الجميع راية الديموقراطية وحقوق الإنسان، ووسائل اتصاله ومواقع تواصله الاجتماعية ستنقل لحظة بلحظة معاناة شعبه مع حكامه لو فكروا بفض انتفاضته بنفس الطريقة السابقة. لكن ما جرى ليس لمدينة حماة فقط بل لكل المدن السورية كان أشد وأمر، حيث استعملت كل الأسلحة القديمة والحديثة من الرصاص الحي الى القذائف المدفعية والصواريخ والطائرات والبراميل المتفجرة مروراً بالسلاح الكيماوي، ناهيك عن الحصار والتجويع والقتل تحت التعذيب لآلاف المواطنين. والمجزرة ما زالت مستمرة منذ ما يزيد عن الأربع سنوات. والواقع ان ذلك ما كان له ان يحصل للشعب السوري لولا لهاث ايران وراء حلمها الأمبراطوري وخوضها المعركة ضد ثورته. والحلم الإمبراطوري هدف معلن، فقد اعلن عنه مباشرة ومن دون تورية، في حديث مستشار الرئيس حسن روحاني، خلال مؤتمر عقد الشهر الماضي في طهران عن «إيران والقومية والتاريخ والثقافة». قال المستشار علي يونسي، الذي كان رئيس الاستخبارات في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، موجهاً كلامه إلى الحضور: «كان لإيران منذ نشأتها بُعد عالمي. لقد ولدت إمبراطورية. وطالما شغل هذا البُعد العالمي فكر قادة إيران ومسؤوليها وأفراد إدارتها». وحدد أراضي الإمبراطورية الإيرانية، التي أطلق عليها اسم «إيران العظمى»، موضحاً أنها تمتد من حدود الصين، وتضم شبه القارة الهندية، وشمال وجنوب بحر القوقاز، والخليج العربي، وذكر أن العراق هو عاصمة الإمبراطورية الإيرانية، في إشارة إلى مدينة بابل القديمة، العراق حالياً، الذي ظل مركز الحياة للفرس لقرون. وقال: «سندافع عن كل شعوب المنطقة لأننا نعتبرهم جزءاً من إيران. ويجب أن نحاول مرة أخرى نشر راية الوحدة الإسلامية الإيرانية، والسلام في المنطقة، وعلى إيران تحمّل هذه المسؤولية كما فعلت في الماضي». وأضاف أن هدف ما تفعله إيران هو ضمان أمن الناس فيها، مضيفاً أن المملكة العربية السعودية لا ينبغي أن تخشى أفعال إيران لأن السعوديين غير قادرين على الدفاع عن أهل المنطقة، وإن أي شيء يدخل إيران يصبح أفضل لأنه يصبح إيرانياً، خصوصاً الإسلام، مضيفاً أن الإسلام في شكله الإيراني هو الإسلام الخالص الصحيح، فقد خلصه من كل آثار القومية العربية. وليست هذه آراء فرد، بل هي آراء تعتنقها النخبة الإيرانية، وهي ليست بالجديدة، فهي تعود إلى عقود مضت، وهي ضاربة بجذورها في المجتمع الإيراني والثقافة الفارسية. مثّل خطاب يونسي الخطوط العريضة لإستراتيجية إيران وسلوكها في المنطقة القائم على تقويض دول الجوار العربي باستخدام التحريض الطائفي ضدها، وقد كان نصيب الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة التي انفجرت ضد الاستبداد والاستئثار والتمييز، نزول ايران بكل طاقتها السياسية والمالية والتسليحية وحشد مقاتلي الميليشيات الشيعية من لبنان والعراق الى باكستان مروراً بأفغانستان واليمن وإيران ذاتها، حيث أوفد جنرالات الحرس الثوري وعناصر فيلق القدس لمنع انتصار الثورة ووضع اليد على سورية وتحويلها الى محافظة ايرانية، كما أعلن رجل الدين الإيراني مهدي طائب المقرب من خامنئي ورئيس مركز «عمّار الإستراتيجي» لمكافحة ما يسمى الحرب الناعمة ضد الجمهورية الإسلامية. وقد عزّزت روسيا قدرة ايران على منع انتصار الثورة عبر تقديم الأسلحة والخبرات التقنية ناهيك عن استخدام حق النقض (الفتيو) اربع مرات في مجلس الأمن لمنع إدانة النظام ومعاقبته على الممارسات الوحشية ضد المدنيين العزل. وما زاد في كارثية الوضع تزامن التحرك الإيراني في المشرق العربي بعامة وسورية بخاصة مع المفاوضات حول الملف النووي الذي جعل الولايات المتحدة تتعايش مع التغوّل الإيراني وتحدّ من حركة الدول الصديقة للثورة السورية ومن دعمها، كي لا ينعكس ذلك سلباً على هذه المفاوضات. لم يخذل اوباما الشعب السوري فقط بل كثيراً من الأميركيين الذين انتخبوه ظناً منهم ان سلوكه لا يمكن ان يكون مشابهاً لسلوك سلفه بوش الابن، فإذا به يذهب بعيداً في التركيز على المصالح المادية على حساب المبادىء والقيم الإنسانية. يبقى أن وهم إقامة إمبراطورية على اشلاء امم كثيرة وعلى الضد من منطق التقدم والحريات لن يفلح في قهر ارادة الشعب السوري الذي خرج من اجل حياة حرة كريمة بالتوافق مع حركة التاريخ في التحرر والتقدم.