يلقى "المصرف الجوال" الذي يسمح بإنجاز بعض المعاملات المصرفية بواسطة هاتف جوال دون امتلاك حساب مصرفي، نجاحا غير مسبوق في إفريقيا جنوب الصحراء ما يثير إقبالا كبيرا ولو أن النموذج المعتمد لمثل هذه العمليات لا يزال بحاجة إلى تطوير. وبحسب "الفرنسية"، فقد أكد البنك الدولي أن القارة السمراء هي المنطقة الوحيدة من العالم التي يمتلك متوسط 10 في المائة من البالغين فيها حسابا على الجوال، وهي نسبة تصل إلى ما يزيد على 50 في المائة في بعض الدول مثل الجابون وكينيا والسودان، إلى حد أن المؤسسة الدولية ترى في هذا النموذج أداة لنشر التعامل مع المصارف بشكل مكثف. وتعرض الخدمات المصرفية الجوالة على العملاء في الوقت الحاضر عمليات بسيطة نسبيا مثل شراء وحدات للهاتف الجوال، وتسديد فواتير الماء والكهرباء، وتحويل مبالغ مالية. وفي 2014 بلغ حجم تحويلات المهاجرين إلى القارة نحو 67 مليار دولار عبر هذه المعاملات الجوالة التي تقتطع عمولة أقل من عمولات مكاتب التحويل التقليدية من نوع ويسترن يونيون. وقال إلبان لوهيرن مدير شركة "أورانج ماني" فرع الخدمات المصرفية الجوالة التابعة لشركة "أورانج" الفرنسية لتشغيل الهاتف، إن دفع فواتير الكهرباء في إفريقيا يتطلب نصف نهار لأن ثمة مراكز قليلة جدا يمكن إتمام ذلك فيها، وهناك مكسب اجتماعي حقيقي في تسديدها من دون الاضطرار إلى التنقل. ويمكن أن يصل حجم أعمال هذه السوق إلى 1.5 مليار دولار عام 2019 بحسب تقديرات مجموعة بوسطن كونسالتينج جروب التي تتوقع أن يرتفع عدد الأفارقة الذين يستخدمون هاتفا جوالا إلى 400 مليون بحلول هذا التاريخ مقابل 300 مليون اليوم. وقال عثمان عمري المحلل في مجموعة بوسطن إن هناك شركات كثيرة تنشط في هذا القطاع الحديث جدا، ومعظم مشغليه شركات ناشئة تعمل على إيجاد موقع لها، ولكن بمعزل عن خدمة إم - بيسا التي فرضت نفسها بقوة في كينيا، ليس هناك حتى الآن عملاء مرجعيون. ورأى عمري أنه ينبغي ابتكار نموذج غير موجود اليوم، والمعادلة الاقتصادية ستكون في غاية الأهمية لأن الزبائن الذين نتوجه إليهم أصحاب دخل محدود جدا، ويجب أن يكون النموذج متدني الكلفة لأنه إن كانت كلفة إتمام المعاملة توازي كلفة مصرف تقليدي، فسيكون من الصعب جعل العملية مربحة. وأشار عمري إلى أن قسما كبيرا من الشعوب الإفريقية يستخدم خدمات مالية غير أنها خارجة عن الأنماط المعروفة، وهناك الكثير من المبالغ النقدية. وحين نحتاج إلى الاقتراض نمر عبر أنظمة صناديق جماعية وقروض عائلة، لكن "المصرف الجوال" يمكن أن يشكل بديلا مثيرا للاهتمام على صعيد التكلفة والأمن. ويقوم نجاح إم - بيسا التي أطلقها مشغل الهاتف "سافاريكوم" الذي يملك 40 في المائة منه عملاق الاتصالات البريطاني "فودافون" بشكل رئيس على بيئة تنظيمية وفنية مواتية جدا ما لم يساهم في جعله نموذجا قابلا للتصدير بسهولة. وأوضح جورج فيري المستشار في شركة رولان برجيه أنه كانت هناك مصاعب كثيرة وحتى نقاط فشل في هذا القطاع باستثناء إم - بيسا، ومن أجل أن ينجح فهو بحاجة إلى تنظيمات مواتية وتحول ثقافي لأن هناك ثقافات تعتبر أن المال يعني النقد. وأقر إلبان لوهيرن بأن العائدات على الاستثمار تستغرق وقتا طويلا نسبيا لأنه ينبغي الانتظار ريثما يصبح التعامل الرقمي بالمال من ضمن العادات، مشيرا إلى أن خدمة "أورانج ماني" باتت تمثل حاليا أكثر من 5 في المائة من رقم أعمال المجموعة. وأضاف لوهيرن أننا أطلقنا هذه الخدمة في الأساس لكسب وفاء زبائننا وهي تأتي بنتيجة ممتازة على هذا الصعيد، ومع السنوات أدركنا أنها مصدر دخل بحد ذاتها وبالتالي محور نمو جديد للمجموعة. وسعيا لتطوير هذه الخدمة تعد الشركة عرضا لمنح قروض عبر الهاتف الجوال بالاشتراك مع مصرف إيكو بانك الإفريقي وتدرس عرض خدمات ادخار وتأمين. من جهته، شدد مسؤول إفريقيا في مصرف سوسيتيه جنرال الذي يستعد لعرض مصرف جوال لا يكفي أن ننسخ، وعلينا أن نبتكر، وتختبر المجموعة حاليا حلولا أخرى مثل "الوكالة الخفيفة" في شاحنة في بوركينا فاسو أو صيغة "مانكو" في السنغال التي ستكون ما بين المصرف ومعهد القروض الصغرى.