هذه سطور تسافر إلى اليمن الشقيق الذي تخوض قواتنا السعودية الباسلة حربا مع بعض ميليشياته، لكن بعيدا عن الحرب وبياناتها العسكرية. اليمن العزيز.. هو تلك السواعد السمراء المتفانية التي حفرت في تراب المملكة طويلا لتساهم في البناء عمليّا، واقتصاديا حتى أوائل التسعينيات من القرن الميلادي المنصرم بصورة عامة ومفتوحة، وبعد هذا التاريخ بصورة مقننة ونظامية. اليمن.. هو ببساطة.. بساطة ذلك الإنسان اليمني، وطرافته، وحذقه في (تدبير أموره) بصورة أولية، وكذلك في حماقته أحيانا، وغضبه السريع، وهدوئه الغامض، ومحاولة التكيف مع كل الصعوبات والمعوقات العملية التي تلاقيه، ولهجته المحببة، في الوقت نفسه. اليمن محليا.. هو مئات المحلات التجارية المختلفة النشاط، والمتنوعة العمل والعطاء لهؤلاء اليمانيين الذين أطلقوا على أنفسهم.. لقب: (أبو يمن).. فأخذناه منهم..! اليمن هو عملاقها العجيب الشاعر والفيلسوف (عبدالله البردوني) الذي يَمْثُلُ أمامي في شموخه، وبصيرته، واستشرافاته، ودواوينه (مدينة الغد)، و(حديث بلقيس). و(جَوّاب العصور) أسمعها تضج بالحضور، وتكاد حروفها تخرج من صمتها، وورقها، وقافيتها. بل إن (بلقيس) التي أتخيلها سيدة سمينة (ولا أدري لماذا تخيلتها كذلك) أسبغت على جسدها المترهل أطنانا من الثياب المهلهلة، المزركشة، الشديدة الغمق (بالغين المنقوطة/أي غامقة الألوان) هي نفسها (بلقيس) التي تناولها الشاعر البردوني على أنها سيدة رشيقة، قد سمحت للماء أن ينساب من ساقها الزجاجي!! ولا أنسى عملاقها الآخر الدكتور الشاعر عبدالعزيز المقالح الذي نقرأ له في عدد من المجلات الثقافية، بالإضافة إلى قصائده الرائعة المليئة بالعمق الثقافي العربي النابع من بلد الأجداد.. اليمن. ومع العبارة السابقة.. وسياق الحديث عن اليمن الحبيب الذي (كان سعيدا).. يبقى السؤال المقرون بإجابته الفورية عن أصل العرب.. اليوم. هل خرجوا من (صفار) بيضة يمانية؟. أما يمن الفن.. فمشهدها غزير كثير، لكن يمثل أمامي الآن فنانها الرائع الراحل (أيوب طارش) صاحب أغنية: طير مالك والبكا.. خل البكا لي.. ما شجا قلبك من محبوب.. جاني.. ما شجاني) ولأن الكلام يجر الكلام.. فلن ننسى تلك اللوحة الفنية الخاصة باليمن الشقيق في تداخل الرقص الشعبي، وملابس مزركشة، وذلك (الخنجر) الذي ينام مائلا في وسط الخاصرة اليسرى لكل يماني، والذي بات أهم أحد عوامل كمال الهندام اليماني الرسمي المعاصر.. تماما كما نضع (العقال) على رؤوسنا.. لكن هناك وجها آخر لليمن ايضا هو وجه السكون، والقبول بالحاضر الواقع، حتى لو كان في آخر الركب، المهم أن تكون حضرة (القات) مشتعلة، وحاضرة.. يلوكها (أغلب) الرجال والنساء على السواء، وفي اشتعال حضرة القات يشتعل السؤال الذي يمده على أبناء الوطن العربي إلى وطن الأجداد، والأصول العربية. لماذا يبقى المثقفون اليمانيون مكتوفي الأيدي والألسن، والقرار.. أمام ما يمكن اعتباره مِعْوَلا من معاول هدم البناء الذي – هو بدوره – يزحف ببطء شديد ويقف في ركن داكن أيضا في كل أنحاء اليمن، ومع كل ذلك.. سيعود اليمن سعيدا.. بعد عاصفة الحزم.. إن شاء الله. لوحة بردونية من ديوان جَوّاب العصور، ص120: كما يقرأ الفجر الربيع المضمخا تجيء ديار الحلم أسخى من السخا يقال من اللا أين تستفتح المدى كما ترعش الأنسام خدرا مشرخا كما تصعد الحبات من وطأة الرحى رغيفا، زكت في القحط كي تبسط الرخا شاعر وكاتب سعودي، عضو مجلس إدارة نادي الأحساء الأدبي، والمدير الإداري