أعلنت هيئة السوق المالية الأسبوع الماضي عن فتح أكبر سوق متنوع للأسهم في المنطقة وأكثرها نضجاً "تداول" أمام المستثمرين المؤسساتيين الأجانب المؤهلين للاستثمار المباشر، ابتداءً من 15 يونيو القادم، بلغت القيمة السوقية لسوق الأسهم السعودي في أبريل 2015 نحو 528 مليار دولار، أو ما يعادل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي السعودي، وتجعله تلك القيمة يفوق سوق الأسهم المكسيكي. وعند مقارنته بالأسواق في المنطقة، نجده يعادل تقريباً نفس حجم أسواق الأسهم الخليجية الأخرى مجتمعة، ويرجح أن يقود فتح السوق السعودي أمام الأجانب إلى إدراجه في مؤشر مورجان استانلي للأسواق الناشئة بحلول منتصف عام 2017، وسيقود ذلك إلى جذب نحو 40 إلى 50 مليار دولار من التدفقات الأجنبية. منذ إصدارنا لتقريرنا الرئيسي في أغسطس 2014 بعنوان: "فتح سوق الأسهم السعودي أمام المستثمرين الأجانب"، حدثت العديد من التطورات أثرت على مؤشر الأسهم السعودية، أهم هذه التطورات هو الهبوط الكبير لأسعار النفط والذي أثّر بشدة على الحالة المزاجية للمستثمرين وقاد إلى عمليات بيع واسعة، واكتتاب البنك الأهلي التجاري الذي بلغت قيمته 6 مليار دولار، والذي يعتبر ثاني أعلى اكتتاب في عام 2014 على مستوى العالم، وفيما يلي سنستعرض بعض التطورات الأخيرة بتفصيل أكثر: نشرت هيئة السوق المالية في أغسطس 2014 مشروع القواعد المنظمة للسماح للمستثمرين الأجانب المؤهلين بالاستثمار المباشر في سوق الأسهم السعودي و تضمنت تلك القواعد القيود التي ستطبق على مشاركة المستثمرين الأجانب المؤهلين، وهي كما يلي: - يشترط على أي مستثمر أجنبي مؤهل يرغب في الاستثمار في السوق أن تكون تحت إدارته أصول لا تقل قيمتها عن 5 مليار دولار "يمكن خفضها إلى 3 مليار دولار" وأن تكون له خبرة في نشاطات الأوراق المالية والاستثمار فيها لا تقل مدتها عن 5 سنوات. - لا يحق للمستثمر الأجنبي المؤهل "والشركات التابعة له" أن يحوز على نسبة تزيد عن 5 بالمئة من الأسهم المصدرة لأي شركة واحدة مدرجة في السوق. - الحد الأقصى لإجمالي ملكية المستثمرين الأجانب مجتمعين "بما في ذلك المقيمين وغير المقيمين واتفاقيات المبادلة والمستثمرين المؤهلين" في الأسهم المصدرة لأي شركة واحدة مدرجة هو 49 بالمئة. - لا يحق للمستثمرين الأجانب المؤهلين مجتمعين امتلاك أكثر من 20 بالمئة من الأسهم المصدرة لأي شركة مدرجة واحدة. - الحد الأقصى لملكية الأجانب من خلال اتفاقيات المبادلة والمستثمرين الأجانب المؤهلين هو 10 بالمئة من القيمة الكلية لسوق الأسهم. وأكدت هيئة السوق المالية أن الهدف من فتح سوق الأسهم هو دعم زيادة مساهمة المستثمرين المؤسساتيين وتقليل سيطرة المستثمرين الأفراد، وبدا واضحاً أن تلك القواعد تمت صياغتها بطريقة مهنية لتحقق ذلك الهدف بعد استطلاع آراء وملاحظات المعنيين والمهتمين، سيتم اعتماد الصيغة النهائية للقواعد ونشرها في 4 مايو القادم. ونعتقد أن أحد نتائج تلك الاستطلاعات سيؤدي إلى أن يتضمن تعريف المستثمرين الأجانب المؤهلين وعملاء المستثمر الأجنبي المؤهل الصناديق السيادية وصناديق التقاعد الحكومية والخاصة والأوقاف والمؤسسات والشركات العائلية المتمرسة. وفي اعتقادنا أن دخول مثل هذه الكيانات يعتبر بصفة عامة إيجابياً، حيث أن تلك الكيانات هم مستثمرون رئيسيون في الأسواق العالمية ويتميزون باستقرار طبيعة نمط الاستثمار لديهم. علاوة على ذلك، نعتقد بضرورة توضيح بعض الشروط في القواعد حتى يزول أي غموض غير مقصود أو تفسير خاطئ محتمل. وعلى وجه التحديد، نعتقد أن علاقة دور الأشخاص المصرح لهم بالمستثمرين الأجانب المؤهلين لم توضح بصورة كافية، وعلى وجه التحديد، سيكون من الأفضل تقديم المزيد من التوضيح عما إذا كان بمقدور الأشخاص المرخص لهم إدارة أموال المستثمر الأجنبي المؤهل. كذلك، تم تضمين البنوك وشركات الوساطة والأوراق المالية كمؤسسات يمكن السماح لها بالمشاركة كمستثمر أجنبي مؤهل في سوق الأسهم السعودي، لكن، في نفس الوقت، وُضِع الحد الأدنى من قيمة الأصول التي يجب أن تكون تحت إدارة المستثمر الأجنبي المؤهل عند 5 مليار دولار (18,75 مليار ريال)، وبما أن الكثير من البنوك وشركات الوساطة والأوراق المالية لا تشارك في إدارة الأصول، فهذا الشرط سيحد من مشاركتها، وأخيراً، فإننا نرى أن تقديم المزيد من التوضيح حول طبيعة وتوقيت اقتراح الخفض التدريجي لمبلغ الأصول التي يجب أن تكون تحت إدارة المستثمر الأجنبي المؤهل من 18,75 مليار ريال إلى 11,25 مليار ريال سيكون مفيداً لكلا الطرفين: الأشخاص المصرح لهم المحليين والمستثمرين الأجانب المؤهلين. بالنظر إلى المستقبل، فعلى الرغم من الظروف التي ترجح بقاء أسعار النفط منخفضة، (نتوقع أن يكون متوسط خام برنت للعام 2015 ككل عند 61 دولار للبرميل)، فإن الاحتياطيات الأجنبية الضخمة للمملكة (بلغت 710 مليار دولار في نهاية فبراير 2015)، وانخفاض مستوى الدين العام مقارنة بالناتج الإجمالي المحلي (1,6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي- ما يتيح فرصة وساعة لإصدار دين سيادي)، سيجعلان المملكة قادرة على مواصلة التزامها بتنفيذ المشاريع الصناعية العملاقة وكذلك استراتيجية تنويع القاعدة الاقتصادية، وفي اعتقادنا أن استراتيجية التنويع الاقتصادي هذه لن تعمل فقط على تحريك النشاط في القطاع الخاص، الذي سيدعم أداء الشركات المدرجة في سوق الأسهم، بل كذلك ستدعم نشاط الاكتتابات الأولية، حيث سيوكل إلى القطاع الخاص دوراً أكبر ليصبح المحرك الرئيسي للنمو في الفترة القادمة. شهدنا خلال عام 2014 اكتتاب البنك التجاري الأهلي بقيمة 6 مليار دولار، كما أن الاكتتابات المرتقبة عام 2015 ستكون على الأرجح جاذبة، وستشمل تشكيلة من الشركات من مختلف القطاعات، بما فيها النقل والصناعة والرعاية الصحية والتجزئة. أخيراً، إذا وضعنا ذلك في الاعتبار، فإن بعض القطاعات ستستفيد من الدعم، من خلال انخفاض أسعار الطاقة أو أسعار اللقيم، كما أن المستثمرين الأجانب في سوق الأسهم سيستفيدون من ميزة عدم وجود ضرائب على المكاسب الرأسمالية، إضافة إلى أن الضريبة المحتسبة لا تتعدى نسبتها 5 بالمئة من توزيعات الأرباح وهي تعتبر من بين النسب الأدنى على مستوى العالم، يتضح جلياً أن سوق الأسهم السعودي يشكّل سوقاً جاذبة للمستثمرين الأجانب. رغم أن التراجع الأخير في مؤشر السوق السعودي، أدى إلى تقليل مخاطر تقييم الأسهم في السوق السعودية بأعلى من أسعارها العادلة، قبيل السماح للمستثمرين الأجانب بالاستثمار المباشر في السوق السعودية، إلا أن المخاطر لا تزال قائمة. عندما يتم فتح سوق الأسهم السعودي أمام المستثمرين الأجانب جزئياً في منتصف يونيو 2015، فربما يتكرر نمط الوقائع التي شهدناها في سوقي الإمارات وقطر. وكانت قيم أسواق الأسهم القطرية والإماراتية قد ارتفعت قبل إدراج مؤشراتهما في مؤشر مورجان استانلي للأسواق الناشئة في مطلع يونيو 2014، ثم هبطت مباشرة بعد ذلك. ارتفع مؤشر قطر القياسي إلى أعلى مستوى له خلال خمسة أعوام تقريباً في مطلع يونيو 2014 ثم هبط بعد ذلك، بينما هبطت الأسهم في المؤشر العام لسوق دبي المالية بنسبة 22 بالمئة في نهاية يونيو 2014. مباشرة بعد إعلان مجلس الوزراء عزمه فتح سوق الأسهم أمام المستثمرين الأجانب في يوليو، بدأ مؤشر "السوق السعودية" يتجه للارتفاع بأكثر مما ينبغي، حيث زاد بنسبة 14 بالمئة خلال أقل من شهرين ليصل في سبتمبر إلى 11,149 نقطة، مسجلاً أعلى مستوى له خلال 7 أعوام، كما أن مكرر الربحية تجاوز حينها متوسط الربحية محسوب على مدى فترة طويلة. تراجع مؤشر "السوق السعودية" منذ بداية أكتوبر بنحو 17 بالمئة، ورغم أن التراجعات جاءت حادة وساهمت في النهاية في تهدئة ارتفاع قيم الأسهم، لكننا الآن نلاحظ ميل مكرر الربحية إلى الارتفاع وقد اكتسب بعض الزخم مرة أخرى. خلال السنوات الخمس الأخيرة، أصبحت التطورات الجيوسياسية الإقليمية، وتأثيرها على أسواق النفط، تؤثر على الحالة المزاجية للمستثمرين الأجانب بصورة أكثر حدة. فإذا نظرنا إلى الأنماط التاريخية لحركة سوق الأسهم، نجد أنه في الأوقات التي تشهد اضطرابات إقليمية، كما حدث عام 2011، أو حالات التراجع الحاد في أسعار النفط، كما في أبريل 2010 ومارس 2012 والنصف الثاني من عام 2014 ومطلع عام 2015، يكون ناتج تداول المستثمرين الأجانب من خلال اتفاقيات المبادلة عمليات بيع صافية. أم في حالة استقرار أسعار النفط والأوضاع الجيوسياسية كليهما، كما في الفترة من نوفمبر 2009 إلى نوفمبر 2010 ومن نوفمبر 2012 إلى يناير 2014، نجد أن صافي مشتريات الأسهم من خلال اتفاقيات المبادلة في ازدياد. هذا يدل على أنه رغم ردود الفعل النفسية تجاه أسعار النفط والتوترات الجيوسياسية، سيواصل المستثمرون الأجانب الاستثمار في المملكة على المدى الطويل. ويعود هذا الأمر إلى موقع المملكة المميز في أسواق الطاقة العالمية وكذلك الاقتصاد العالمي. وفي الحقيقة، تتوفر أدلة كافية أمام المستثمرين الأجانب، من خلال الاستقرار الواضح والنمو القوي للاقتصاد السعودي، تتيح لهم التمييز بين الإمكانيات المستقبلية القوية للاقتصاد السعودي والاقتصادات الأخرى المضطربة في المنطقة. كذلك، أصبح جلياً استعداد المملكة وقدرتها على الوفاء بتعهداتها في الإنفاق، من خلال موجوداتها الأجنبية الضخمة و إصدار دين سيادي، في سبيل تحقيق النمو الاقتصادية لمواطنيها. يسيطر المستثمرون الأفراد المحليون على نشاط التداول في سوق الأسهم السعودي، حيث بلغ عددهم في نهاية 2014- وفقاً لبيانات هيئة السوق المالية- نحو 2,4 مليون مستثمر، ويملكون نحو ثلث إجمالي قيمة الأسهم المدرجة في السوق. حالياً، تسيطر تلك الفئة من المستثمرين في السعودية على نسبة من حجم التداول، تصل إلى 90 بالمئة، وتعتبر مرتفعة مقارنة بمؤشرات الأسواق الأخرى الكبيرة. في الهند، تشكل أحجام تداولات الأفراد نحو 34 بالمئة، أما في الولايات المتحدة فإن نسبة تداولاتهم منخفضة جداً حيث تشكل أقل من 2 بالمئة من إجمالي التداولات. بصفة عامة يميل المستثمرون الأفراد إلى الإقدام على المخاطر بدرجة أكبر، كما أن آفاقهم الاستثمارية أقصر، مقارنة بنظرائهم من المستثمرين المؤسساتيين، نتيجة لذلك، نلاحظ في "السوق السعودية" مستويات تذبذب أعلى خلال الفترات الزمنية القصيرة، فعلى سبيل المثال نسبة التذبذب في ”السوق السعودية“ خلال 10 أيام تداول تعادل 2,3 مرة مستوى التذبذب في مؤشر إس آند بي500 الأمريكي، وتعادل 1,7 مرة مستوى التذبذب في بورصة بومباي. أما خلال الفترات الزمنية الأطول، فنجد أن مستوى التذبذب في "السوق السعودية" يأتي متسقاً مع مؤشرات الأسواق الناشئة الرئيسية،و أتاح مشروع القواعد التي أعدتها هيئة السوق المالية والخاصة بفتح السوق، فرصة التداول فقط للمستثمرين المؤسساتيين وليس المستثمرين الأفراد. عموماً، يلعب المستثمرون المؤسساتيون دوراً هاماً في تطوير أسواق المال، حيث يمثلون قناة لضخ مدخرات الأفراد في أسواق رأس المال من خلال رؤى استثمارية طويلة الأمد. لذلك، نعتقد أن فتح سوق الأسهم السعودي أمام المستثمرين الأجانب يشكّل خطوة أساسية لتحقيق الهدف الرئيسي المتمثل في إيجاد سوق أسهم أكثر تطوراً بصورة تدريجية، يصبح فيه المستثمرون المؤسساتيون هم المسيطرون على نظرائهم الأفراد. سيكون فتح سوق الأسهم أيضاً مصحوباً بزيادة في الشفافية من قِبل الجهات الرقابية، من خلال توفير المعلومات الموثوقة على المستوى الكلي بطريقة منتظمة، فالدول التي توجد بها بعض أكثر أسواق الأسهم تطوراً في العالم اليوم، هي أيضاً التي يوجد فيها نظام لإصدارات إحصائية تنشر في مواقيت معروفة سلفاً تحددها جهات رسمية. وعلى وجه الخصوص، فإن توفر بيانات على المستوى الكلي تكون متاحة في الوقت المناسب وبطريقة منتظمة مثل الاحصاءات الاقتصادية والسكانية، سيساهم في جمع المعلومات الخاصة ونشرها، وكل ذلك سيصب في النهاية لمصلحة إيجاد أسواق أسهم تعمل بكفاءة عالية. وفي هذا الصدد، يمكن القول أن عدم وجود بيانات اقتصادية تنشر بصفة منتظمة على المستوى الكلي قاد جزئياً إلى الانفصال بين أداء سوق الأسهم السعودي والمعطيات الاقتصادية الكلية للمملكة. لذلك، بالنظر إلى عام 2015، ورغم أننا نرى "السوق السعودية" يتحسن، إلا أن زيادة أسعار وقيم الأسهم لن تعكس بالضرورة المعطيات الكلية القوية للمملكة، بل ربما تعكس التغيرات الحادة القصيرة التي تمليها أسعار النفط والتطورات الجيوسياسية في المنطقة وأداء الاقتصاد العالمي. ونتوقع أن نرى المزيد من توثق العلاقة بين سوق الأسهم السعودي والاقتصاد المحلي على المدى البعيد.