هل نشهد ولادة السعودية العظيمة بعد الجرأة منقطعة النظير التي أفرزت عاصفة الحزم؟ هل نحن أمام لحظة مفصلية في تاريخ المملكة، حيث تنتقل السعودية من سياسة الانكفاء والتقرفص الذي شهدتها منذ حرب الخليج الثانية وحتى اليوم مرورًا بالحادي عشر من سبتمبر 2001 ثم غزو العراق ثم ثورات الربيع العربي؟ هل نشهد افتكاك القرار السياسي السعودي من الفلك الأمريكي؟ هل بدأت المملكة تدرك حجمها الحقيقي، وأوراقها المؤثرة، وموقعها الاستراتيجي والديني والاقتصادي بعد أن كانت مجرد جسد ضخم برأس صغير؟ لم يتوقع أكثر المراقبين تفاؤلًا أن تطلق السعودية “عاصفة الحزم”، بناءً على التردد والضعف والانكماش الذي ساد السياسة الخارجية السعودية في العقود الثلاثة الأخيرة. والذي على ضوئه خسرت السعودية نفوذها الإقليمي لصالح إيران التي عربدت في المنطقة العربية طولًا وعرضًا. لقد ضعف القرار السياسي والسيادي السعودي كثيرًا بعد حرب الخليج الثانية وقدوم القوات الأمريكية إلى المملكة. منذ ذلك الحين لم تشهد العلاقة الأمريكية السعودية أي نوع من التضارب في المصالح، فلقد كانت المصلحة الأمريكية هي الحاكمة، مع ضرورة عدم إنكار وجود تشدد سعودي في بعض الملفات الصغيرة، لكنه لم يصل لحد القطيعة، كما حدث بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وطلب المحققين الأمريكيين عمل تحقيقات مع معتقلين سعوديين في السعودية، ورفض الراحل الأمير نايف -رحمه الله-. هذا الضعف السعودي تضاعف حجمه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث بدأ النفوذ السعودي ينحسر بسرعة، فاقتنصت إيران الفرصة وملأت تلك المساحة الشاغرة تحت غطاء المقاومة والممانعة والصمود… إلخ من شعارات إيران إياها. ساء الوضع أكثر فأكثر مع قدوم الربيع العربي، وتساقط الحكومات العربية الفاشلة واحدة بعد الأخرى، الأمر الذي أربك الحكومة السعودية، ودفعها لاتخاذ قرارات سيئة متلاحقة، تبدأ من دعم الثورة السورية ثم التخلي عنها لاحقًا، ثم دعم الانقلاب العسكري في مصر وليبيا، ثم الدخول في عراك مع الجارة قطر، ثم الدخول في التحالف الدولي لحرب داعش، بالنيابة عن إيران، ثم كانت قاصمة الظهر في قائمة الجماعات الإرهابية، التي وضعت الإخوان المسلمين، الحركة السنية الشعبية الكبرى، على رأس القائمة، وتجاهلت حزب الله اللبناني الذي يقتل الشعب السوري في سوريا والعراق! قادت تلك القرارات الكارثية لتشويه صورة المملكة لدى الشعوب العربية، واعتبارها داعمة للطغاة ومحاربة لإرادات الشعوب، الأمر الذي جعلنا نقرأ انتقادات علنية كثيرة ضد الحكومة السعودية السابقة من فعاليات سنية كثيرة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بل إن الأمر وصل بالبعض لادعاء أن عداء السعودية لإيران هو مجرد كذبة بدعوى أن السعودية تخلت عن الشعب السوري لصالح نظام بشار وقاتلت مع التحالف الدولي بالتنسيق مع ميليشيات قاسم سليماني البرية! زد على ذلك مواقف الحكومة السعودية السابقة المخيبة للآمال في حروب غزة، وصمتها المريب والغريب عما جرى للشعب الغزاوي من جرائم حرب كارثية، دفع العالم في الشرق والغرب إلى الوقوف في صف المقاومة الفلسطينية المدافعة عن أرضها وشعبها… باختصار شديد، لقد شهدنا عقدًا لا رؤية فيه ولا بوصلة ولا جرأة، بل مجرد تنازل يتبعه آخر حتى حاصرنا عملاء إيران من الشمال والجنوب! وقدَّر الله وما شاء فعل، فبعد ذلك التدهور المريع قيَّض الله حكمًا جديدًا شجاعًا وجريئًا أخذ على عاتقه إيقاف إيران عند حدها، ووقف تدهور النفوذ الإقليمي السعودي، فكانت “عاصفة الحزم” التي أطارت صواب الإيرانيين وعملائهم. فلا يشك عاقل أن “عاصفة الحزم” خلطت أوراق المنطقة العربية، وأعادت التأكيد على أن المملكة، متى ما امتلكت قرارها وعرفت حجمها الحقيقي، تكون لاعبًا رئيسًا لا يمكن تجاهله. لقد عادت الروح على وقع “عاصفة الحزم” لتدب في الثورة السورية، فشهدنا انتصارات كبيرة في زمن قياسي، بتفاؤل شعبي سوري شعر أن التخبط السابق قد انتهى، وأن السعودية ستصحح خطأها وتعود لدعم ثورة الشعب السوري حتى إسقاط نظام الأسد، عميل إيران الصغير. وفي لبنان، يكفي أن تستمع إلى خطابات حسن زميرة لتدرك بما لا يدع مجالًا للشك أنَّ الرجل في ورطة، وأنَّه وصل لدرك من الإسفاف الخطاباتي الأخلاقي غير المسبوق، والذي يكشف عن هلع حقيقي من قرب انتهاء مسرحية المقاومة والممانعة. العلاقة السعودية التركية القطرية تتوثق، والسعودية تضع مساحة من الثلج البارد بينها وبين نظام السيسي الانقلابي الذي يتلقى الدعم الخليجي ثم يشتم أصحابه، ويبتزهم في قضية المشاركة في “عاصفة الحزم”. والسعودية تبتعد قليلًا عن أصدقائها المصابين بهوس الحرب على الإسلام والإسلاميين في كل مكان بدءًا من دعمهم اللامحدود للسيسي وحفتر، ومغازلتهم لأحمد علي عبدالله صالح حليف الحوثيين. ليس للسعودية عداوات مع أحد، إلا من يحاربها، ويحاول العربدة في محيطها الإقليمي. ليس للسعودية عداوة مع الإخوان أو مع تركيا أو مع قطر. ومن لديه مشاكل معهم، فعليه أن لا يقحم السعودية فيها. لقد تمَّ تصحيح خطأ الحكم القديم. بعد سنوات من التخبط والضعف والتنازلات، ها هي السعودية تضع رجلها على أول درجة في طريق العودة إلى نفوذها الإقليمي. يستطيع الحكم الجديد في السعودية أن يحمل لواء الدولة السعودية الرابعة، السعودية العظيمة، التي تعرف حجمها الحقيقي على المستوى الديني والاقتصادي. وكي تتمكن من فعل ذلك، أرى أن من المفيد إلقاء الضوء على بعض النقاط الحسَّاسة التي ينبغي أن لا يشعر السياسي السعودي بالاستفزاز والتوتر حين يتم طرحها: أولًا: على المملكة أن تحسم خيارها تجاه علاقتها مع الأمريكان. والأسباب كثيرة، يأتي على رأسها: نجاح الإيرانيين في تصوير المملكة وكأنها عميلة للأمريكان ليس لها من الأمر شيء. والاستدلال بالمواقف السعودية السابقة والضعيفة تجاه حرب غزة، وتخليها عن الثورة السورية بعد دعمها، ثم الدخول في التحالف الدولي الذي تستفيد منه إيران وميليشياتها ونظام بشَّار على الأرض. بات من الواضح أن الأمريكان لم يعودوا حليفًا مؤتمنًا، خصوصًا بعد الاتفاق النووي، وشروع أمريكا في رفع إيران وحزب الله من لوائح الإرهاب. أمريكا استخدمتنا أكثر من مرة لفرض مواقف على إيران لصالحها وليس لصالحنا. أمريكا تملك مخزونًا هائلًا من النفط الصخري الذي سيقلل اعتمادها على نفط الخليج بشكل كبير، وبالتالي سيقل اهتمامها بأمن الخليج. دع عنك أن دخول النفط العراقي الذي سيكون بأيدي “عملاء إيران” سيجعل مراهنة أمريكا على إيران أكثر من مراهنتها علينا. لا أحد يطالب بحرب أمريكا، لكن علينا أن نتوقف عنى الارتماء في أحضانها. يجب أن تكون مصالحنا “أولًا” هي البوصلة الحاكمة في علاقتنا مع الأمريكان. مثلنا مثل حلفاء أمريكا الآخرين، كتركيا مثلًا. ثانيًا: لا بد من مصالحة داخلية حقيقية. يتم من خلالها إطلاق سراح أصحاب الرأي السياسي المخالف. وما نشاهده من إطلاق سراح لبعض سجناء الرأي، وعودة بعض المعارضين السياسيين من الخارج، ورفع منع السفر عن بعض الدعاة والناشطين هي إرهاصات خير ومبشرات بأننا سنشهد في القريب العاجل انفتاحًا على الرأي السياسي المخالف. لقد راهنَّا في السابق على الحماية الأمريكية، تلك الحماية التي لم تمنع سقوط زين العابدين ولا حسني مبارك ولا علي عبد الله صالح، ولن تمنع سقوط بشَّار. المراهنة على الحماية الخارجية ولَّى زمنها. والحكومات التي تراهن على الخارج لضبط الداخل وإبقائه تحت السيطرة قد سقطت. الرهان الحقيقي، والشرعي الوحيد، هو الرهان على الشعب. فهو الحامي بعد الله، وليس أي أحد آخر. ثالثًا: طوال العقد الماضي لم تلعب السعودية سياسة. كانت مواقفها السياسية تقوم على ردود الأفعال تجاه المواقف الإيرانية الجريئة. كانت السعودية على مقعد المتفرجين. كالعاجز الذي يرى الآخرين يتوارثونه في حياته. كانت إيران تتمدد في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والكويت، بينما كانت السعودية مشغولة بحوار الأديان وإثبات أنها مملكة الإنسانية. إذا استثنينا بطبيعة الحال دعمها المادي المعتاد -لكن بفشل أكبر على غير المعتاد- لأطراف ثبت أنها فاشلة جدًا في استثمار هذا الدعم المادي بشكل يقوي شروط المملكة التفاوضية، كما هو الحال مع سعد الحريري وغيره. دع عنك دعم المملكة لجيش وحكومة لبنان ومصر، ذلك الدعم الذي لم يمنع إعلام البلدين من شتمنا والسخرية منا. السعودية اليوم تلعب سياسة. رغم أن المشوار طويل. وإيران حريفة سياسة. لكن إخراجها من النافذة التي دخلت منها ليس بالأمر المستحيل. وهناك خطوات عملية على السياسي السعودي أن ينتبه إليها: يجب أن يكون الموقف السعودي واضحًا تجاه إيران. فلا ينبغي أن يكون هدف المملكة هو فقط إيقاف الحوثيين عند حدهم. فهذا هدف قصير المدى. الهدف الاستراتيجي ينبغي أن يكون “إسقاط حكم الملالي في إيران”. فما دامت ولاية الفقيه قائمة، فسنرى ألف حوثي وألف حزب الله وألف ميليشيا أبو الفضل وألف حشد شيعي. لكن حتى يحصل ذلك، أعني إسقاط حكم الملالي، على السعودية تحقيق أهداف متوسطة المدى منها: إسقاط نظام بشَّار، وخنق حزب الله في لبنان، ودعم أهل السنَّة في العراق بالمال والسلاح. وقبل هذا كله، الخروج من التحالف الدولي الذي أصبح بمثابة الغطاء الجوي لميلشيات قاسم سليماني البرية. إن التوقف في وسط الطريق لتحقيق ذلك الهدف الاستراتيجي نتيجة لتنازل إيراني من هنا وهناك هو محض غباء وسذاجة. لسبب وحيد: وهو أن هذه التنازلات كانت تتم في السابق وسط ضمانات أمريكية، أما اليوم فأمريكا لم تعد حليفًا ضامنًا. وأي توقف سعودي عن الاستمرار في ضرب مفاصل السياسة الإيرانية سيكون دليلًا على صحة القول بأن إيران تصبح رافضية حينًا وشقيقة مسلمة حينًا آخر بحسب الرؤية الأمريكية. دعم الأحوازيين والبلوش بالمال والسلاح، لإشغال إيران وإنهاكها في الداخل، ولمنعها من استثمار القرار الدولي لرفع العقوبات ورفع تجميد الأرصدة والذي سيمكن إيران من الحصول على خزَّان مالي ضخم يمكنها توظيفه في تمويل عملياتها في العراق وسوريا واليمن وشراء بعض ذمم الحكومات العربية القابلة للشراء. وعلى السعودية كذلك دعم الجماعات الجهادية، حتى تلك التي نختلف معها، والتي تنشط على الحدود الإيرانية في باكستان وأفغانستان. التحالف مع تركيا القوية لملء الفراغ الاستراتيجي الذي ستنسحب منه إيران نتيجة تراجع نفوذها الإقليمي والعسكري. وعلى السعودية أن تضع جانبًا هوس الحكم القديم تجاه الإخوان المسلمين، فرغم أن حكم العدالة والتنمية بقيادة أردوغان يحكم تركيا منذ 2002م فلا يُذكر له موقف واحد وقف فيه ضد السعودية أو دول الخليج، ومن لديه مشاكل من دول الجوار مع تركيا فعليه أن يحلها بعيدًا عن السعودية. محاصرة إيران من خلال حزام سياسي اقتصادي متماسك تستفيد منه المملكة وتُفيد، من خلال علاقات اقتصادية وسياسية مع دول الجوار الإيراني، الأمر الذي سيُقلِّص حرية حركة وتمدد النفوذ الإيراني. ولعل زيارة الرئيس الأذربيجاني الأخيرة تصب في هذا الإطار. الأقليات الشيعية هي أقليات في غالبيتها الساحقة تابعة لولاية الفقيه الإيرانية، ولن تفك ارتباطها به، لا سيما وأنَّها تعتبر أن كل ما حصلت عليه من تنازلات هي نتيجة الضغوط الإيرانية لحكومات الولي الفقيه وليس بطيب خاطر من حكومة بلدها. ولن يستطيع أحد أن يقنع هذه الأقليات بخطأ هذه المعادلة بأي طريقة كانت. الحل الوحيد ليس في قمعها -باستثناء من يحملون السلاح بطبيعة الحال-، بل في إضعاف الولي الفقيه. فحين ترى هذه الأقليات وليها الفقيه مشنوقًا بعمامته في ساحة الحرية في ميدان آزادي ستدرك أنه ليس إلهًا، وأنَّ ولاية الفقيه ليست سوى فكرة مريضة وهشَّة، وأن زمن الاستقواء بالخارج قد ولَّى. ملاحقة أذرعة إيران الإعلامية، فمن المدهش جدًا أن تظل قنوات إيران وشيعتها في الخليج تبث على قمري النايل سات والعربسات وعلى رأسها قناة العالم الإيرانية التي تهاجم السعودية ليل نهار وقناة المنار والكوثر وغيرها بينما يتم منع قناة معارضة لنظام بشار مثل قناة الغد السورية. الدخول في حوار مع حماس واستقطابها، بعد أن تسبب الحكم القديم في عزلها ورميها في الحضن الإيراني. تقريب حماس سيقوي الموقف السعودي كثيرًا، وينزع من إيران ورقة تفاوضية مهمة جدًا، وسيفضح كذبة المقاومة والممانعة التي جعلتها إيران حكرًا عليها. رابعًا: على السعودية أن تستثمر وجود خزَّان سني هائل يمثله مليار مسلم. فالعالم برمته يخشى أن يتحول هذا المليار مسلم لخلايا نائمة لصالح الحكومة السعودية، فيما لو قررت السعودية إعلان الجهاد. أنا لا أدعو لإعلان الجهاد، لكنني أدعو لاستثمار هذا الخزَّان الهائل. فحتى هذه اللحظة لم تُحسن السعودية استقطاب أهل السنَّة والجماعة، والسبب في ذلك هو اعتقاد مجاميع شعبية سنيَّة وإسلامية واسعة أن المراهنة على السعودية لن تفيد ما دامت تدور في الفلك الأمريكي الذي يحمي إسرائيل الصهيونية. على الخطاب السعودي أن يتغير. فيقترب بصدق وأمانة من أهل السنَّة والجماعة. وأول الخطوات لبناء علاقة حقيقية وذات مصداقية لدى الشعوب المسلمة يبدأ من إعادة تشغيل الماكينة السعودية الدينية الموجهة للخارج. فإن كان نشر مذهب أهل السنَّة والجماعة فريضة دينية في السابق، فهو اليوم فريضة دينية وسياسية. فلقد تمدد النفوذ الإيراني من خلال ملء إيران الفراغ الديني الذي انسحبت منه المملكة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حتى وصل المذهب الشيعي الصفوي لأفريقيا وجنوب شرق آسيا. لا بد من عودة مكائن النشر والدعوة والإرشاد من أجل تحقيق وقاية دينية تمنع سقوط المسلمين في براثن الدعوة الشيعية الصفوية التي تعرف إيران كيف تستثمرها سياسيًا بشكل مدهش. لا بد من تأمين وكفالة الدعاة والأيتام، وبناء المدارس والمستشفيات، وطبع وتوزيع الكتب السلفية السنيِّة، وغيرها من النشاطات الدعوية. لا بد من دعم كل الأقليات المسلمة. فليس من المقبول ولا من المعقول أن تتجاهل المملكة معاناة إخوتنا المسلمين في بورما وفي أفريقيا الوسطى وغيرها، ثم تستغرب من كره البعض للسعودية. كما ويجب اختراق التجمعات الشيعية من خلال خطاب سني متماسك وناضج وفق رؤية إعلامية دينية وسياسية تكشف المستور حول فساد ولاية الفقيه وإجرامها وخروجها عن الدين، ولا تلتفت للخطاب السني الليبرالي الرومانسي الذي يخوِّف طوال الوقت من التشابك الطائفي بينما يصمت عن القتل الطائفي الذي تمارسه ميليشيات إيران والعراق وبشار وحزب الله ضد أهل السنَّة يوميًا. كما إن الحرب على إيران لها شق سياسي وعسكري وإعلامي، فلها شق ديني دعوي، ولعله الأقوى تأثيرًا على المدى البعيد. خامسًا: يجب أن يتوقف الخطاب السعودي المزدوج. خطاب الداخل الديني، وخطاب الخارج الليبرالي. فعقلية “فرِّق تسد” تصلح لزمن القبيلة، وليس زمن الدولة، وخصوصًا في لحظة مفصلية كالحرب التي نخوضها اليوم. يجب أن يكون هناك خطاب واحد موحد ليس انتهازيًا يستخدم الدين والسنَّة ثم يتخلى عنهما حين تضع الحرب أوزارها. مللنا وهرمنا، فمنذ الملك فيصل -رحمه الله- لم يشهد السعوديون خطابًا سعوديًا واضحًا ومعبرًا عنهم كما هو اليوم. ويجب البناء على هذه الالتفاف بشكل سليم لا انتهازية فيه. يجب أن يتوقف الإعلام السعودي الرسمي وغير الرسمي عن التطبيل والردح وصناعة الحروب البينية، فما تفعله قنوات العربية وإم بي سي بغبائها وضيق أفقها ومحاربتها للإسلام السياسي والثوار السنَّة في العراق وسوريا واليمن يجعل الشكوك تدور حول من يقوم فعليًا بإدارة هذه القنوات، وهل تدار من الرياض أو من مكان آخر… سادسًا: لو كان لدينا جيش قوي لما احتجنا لحماية الأمريكان أو أي أحد آخر. ولما ابتزنا جيش السيسي أو جيش باكستان. ذلك الوهم السخيف بأن وجود جيش قوي قد يهدد حكم الأسرة يجب أن ينتهي، فالشعب السعودي لا يرضى عن آل سعود بديلًا. أيهما أخطر على الأسرة أن يحمي البلد أبناؤها أم أن يحميها بعض المرتزقة المجلوبين من الخارج، والذين قد يتركون الدفاع عنها لمن يدفع أكثر؟ هل سيبقى حينها وطن وشعب وأسرة حاكمة؟ نعم للتجنيد الإلزامي. ونعم لصنع جيش سعودي قوي ومتطور يوقف عبث إيران، ولا يجعلنا تحت رحمة المرتزقة من هنا وهناك. في الختام: لا سعودية عظيمة بنفوذ إقليمي من دون رؤية واضحة واستراتيجيا فاعلة، ولحمة شعبية متماسكة، وعقيدة دينية راسخة، وجيش قوي وضارب. .. (التقرير )