استمعت كثيراً واستمتعت بوعي وفكر وإدراك وتحليل وقراءات الشيخ المرحوم علي الطنطاوي، والشيخ المفكر العلامة محمد حسين فضل الله، والإمام محمد مهدي شمس الدين، والشيخ المفكر أبو الأعلى المودودي، وتفاعلت مع طروحاتهم العميقة في الشأن الديني واستنتاجاتهم واجتهاداتهم وإلمامهم الشامل بما يثار من قضايا واختلافات، وما يناقشونه من قضايا سياسية معاصرة يعيشها العالمان الإسلامي والعربي، وكثيراً ما أبهرني وأثرى مخزوني الثقافي، ومعلوماتي العامة ما يتمتع به هؤلاء العلماء الأفاضل وغيرهم من رموز الفكر الديني في الأمة من ثقافة واسعة في مختلف القضايا والهموم والهواجس والتحولات والمتغيرات، إذ تجدهم يحللون ويفككون ويستشرفون المواقف السياسية أو الاقتصادية بوعي رؤيوي متمكن يعرف كيف تسير الأمور وأين تتجه بوصلات التحالفات والعلاقات الدولية، ويضعون المتلقي البسيط ورجل الشارع العادي في صورة واضحة للذي يجري من خلال تحليل منطقي وعقلاني وقراءات تغوص في عمق القضية، وتفاصيل الحدث برؤية لا يملكها إلا مفكر سياسي متمرس في التعاطي مع الشأن السياسي إلى جانب حصيلته الأكاديمية في العلوم السياسية ومتابعته لما يجري في مراكز صناعة القرار الأممي، وصياغة توجهات العالم في قضية من القضايا. لم يقتصر وعي وفكر هذه الرموز الفكرية من رجالات الدين في الأمة على الهوامش أو التفاصيل الصغيرة في بحث أمور لم تعد حالة اجتماعية يومية للفرد كالمسح على الخفين، أو تحريم أكل لحم الحصان، أو لبس المرأة ل"السوتيان" أو أحكام الضراط وأنواع الأصوات الصادرة من الإنسان عدا الكلام وتأثير هذه الأصوات على طهارة الإنسان، ولكنهم يبهرون الفكر الجمعي ويغذونه بالقضايا المعاصرة التي تنمّط مسار حياته، وتحدد خياراته التعاملية مع العالم، ويغذّون هذا الفكر برؤى تغير من مفاهيم ظلت سائدة وإن كانت رديئة أو رخوة أو هشة، فإذا تكلم أحدهم عبر محاضرة أو لقاء تليفزيوني أو ندوة فكرية وتناول الوضع السياسي فكأنما هو خريج أعرق الجامعات وأشهرها في العلوم السياسية. وقريب جداً من دهاليز البيت الأبيض أو الأليزيه أو الكرملين حيث تطبخ القرارات. هكذا فتحنا أعيننا وتشكل وعينا كجيل على فكر عقول نيّرة مدركة عميقة الرؤية تحترم العلم وتقدر عقل الإنسان وتحرص على إثرائه بالمفيد، لكننا الآن نعيش صدمة السطحية والبلادة والخواء الفكري وضحالة المعلومة وهشاشة التحصيل عند بعض رجال الدين أو من يتعاطون التواصل مع الناس في شؤونهم الحياتية، فقد استمعت إلى لقاء مع أحدهم على إحدى القنوات وهو شخص يحتل موقعاً وظيفياً مهماً حيث مارس أبشع ألوان خدش حياء الصبايا والنساء، وقال كلمات وألفاظاً سوقية في تحليل سياسي، أو هو يصنفه بأنه تحليل. في سياق كلامه عن علي عبدالله صالح قال: ".. كيف يترك ديد (ثدي) البقرة (في إشارة إلى المملكة ودول الخليج!!!) ويمسك ب " ... " الحمار وسمى العضو التناسلي للحمار بدون خجل ولا حياء ولا مراعاة لمشاعر المتلقي وهم صغار وكبار، رجال ونساء، ولا احترام لمكانة رجل الدين وهيبة العلم والعلماء وترفعهم عن سقط القول وفحش العبارة وبذاءة التعبير. والمؤلم أن المذيع كان مبهوراً بهذا التحليل والتوصيف وأشاد به!! نحن في زمن على الكثير أن يقفلوا أفواههم ليرحمهم الله، ويرحمهم المجتمع. لمراسلة الكاتب: RashedFAlRashed@alriyadh.net