×
محافظة المنطقة الشرقية

القادسية يصنع ما عجز عنه الآخرون ويقصي الأهلي.. والهلال يعاقب هجر بالستة

صورة الخبر

تميزت الدورة الثانية من مهرجان مراكش الدولي للشعر، التي نظمت أخيرا على مدى 3 أيام، تحت شعار «الإبداع والهوية»، بمشاركة شعراء ونقاد من المغرب وفلسطين ومصر والأردن وسوريا وإيطاليا وألمانيا والبرتغال والدنمارك وإسبانيا وتشيلي، بتكريم الشاعرة المغربية مليكة العاصمي، تقديرا وعرفانا بتجربتها. لا يمكن لتكريم العاصمي في مراكش إلا أن يكون الأجمل والأبهى من بين كل التكريمات التي حظيت بها هذه الشاعرة المتميزة، التي انطلقت، في تجربتها، بخلفية مراكشية، لكن، بامتداد مغربي وعربي، مبرزة أن مراكش «حضارة عتيدة وأفق للسؤال». لا يمكن لتكريم العاصمي، في مدينتها وبين أهلها ومتتبعي تجربتها، إلا أن يخفف بعض الأسى الذي يمكن أن يشعر به أي شاعر، بصدد أوضاع الشعر في بلده، هي التي ترى أن من حق الشاعر أن يوضع في المكانة التي يستحقها، ومن حق الشعر أن يخصص له الفضاء والمناخ والمؤسسات التي تليق به. وتعد العاصمي من أبرز الأصوات الشعرية التي طبعت مسيرة المشهد الشعري المغربي المعاصر، لذلك يلقبها المشارقة بـ«شاعرة المغرب الكبيرة»، فيما لا يختلف المغاربة، في شأنها كثيرا، ويعتبرونها «من الشاعرات المغربيات القليلات اللواتي يمكن القول إن لهن تجربة شعرية وليس مجرد دواوين». ويتميز مسار العاصمي بتجاور العمل الاجتماعي والنضال السياسي والإبداع الشعري والأدبي في تجربتها، لذلك كان عاديا أن يتزامن نشر ديوانها «دماء الشمس»، مثلا، مع دخولها تجربة انتخابات سياسية جزئية. حديث المثقفين عن توزع تجربة العاصمي على أكثر من مجال، قد ينتهي إلى نفس التحليل الذي تعترف من خلاله صاحبة «نحن وأسئلة المستقبل» بواقع الأشياء، فيما تدافع عن اختياراتها، حيث تقول: «للوقت والمسؤوليات التي أحمل نفسي بها أو أجد نفسي فيها، سلطتهما وصولتهما وإكراهاتهما». بالنسبة للمراكشيين، بشكل خاص، والمغاربة، بشكل عام، لا يهم أن نقدم صفة على أخرى، حين الحديث عن العاصمي: كاتبة وشاعرة وبرلمانية وفاعلة في المجال الاجتماعي، أو برلمانية وفاعلة في المجال الاجتماعي وشاعرة وكاتبة. المهم أن الاسم متداول بين الناس، مع تفضيل الكثيرين اجتماع العلم والسياسة والشعر على المال والسياسة، حين المرور إلى واقع الانخراط في العمل السياسي. ويعتبر «دماء الشمس» من أجمل دواوين العاصمي. فـ«دماء الشمس» هي نفسها «دماء الروح»، تقول الشاعرة، حيث «الشعر نحيبها الداخلي وصورة عن هزائمنا ومواجهاتنا اليومية ومآسينا، إذ كثيرا ما نؤوله لأنفسنا أو يؤوله الآخرون نيابة عنا»، في ظل «واقع يستنفر الطاقات والإرادات الطيبة لنحت الأمل من اليأس، والوقوف في وجه تيار الإفساد الجارف ومواجهته»، لذلك يظل «الشعر واحة تنفث فيها الروح أوجاعها ومآسيها». في ديوانها «دماء الشمس» ترصد الشاعرة مشهدا يقدم لصور بنفس وثائقي حارق: الكلب يتلصص، وعين الصقر تدور، والحدأة تتربص _ تختلس. ذنب مقطوع يتلوى من حر الذبحة وذنب آخر منفوش في التربة. نمس يلهث خلف الطاووس الممسوخ. قرد يخرج من جحره يقفز ويصفق. جرذان ترقص. ذئب يعوي. فئران تمرح فرحا حين غياب القط، فيما تتسلل ثعالب خلف المشهد: مشهد _ قصيدة تحترم خلالها شاعرتنا ذكاء القارئ، إذ ترتب لزاوية الرؤية، فيما توزع الأدوار. مشهد _ قصيدة تمهد للبورتريه الأول، حيث قصيدة «الكلب» بنفس الملامح الشعرية والنفس الإيحائي الهادف: «يلقم للكلب الجائع حجرا. يتبعه الكلب». في البورتريه الثاني، ينضاف للبورتريه الأول «كلب آخر»: «يطل من الفتحة فتحة الباب يتسلل نحو الداخل ليشم الأوراق ويتصيد مكر القوم». في البورتريه الثالث، نكون مع الذئب _ القصيدة: «خطابه منمق ووجهه مسطول حين يفيض منه المكر. شدقه يبيض من جانبه. وحين ينبح الكلب يغشيه السواد. حين القط يستنفر نابه ينقض». في البورتريه الرابع، قصيدة «ثعابين»: «لمسهم أملس ألوانهم مزركشة أشكالهم تغوي بخفة في الرقص حين يزغردون يغررون وحين يرقصون تضرب صعقة الموت». بعد البورتريه الرابع، وقبل البورتريه الخامس (مكلف مهمة) والبورتريه السادس (نهاية)، تسطع شمس الشاعرة بين دماء الشمس: القصيدة، حيث نكون مع «أيد سافلة تجترح خطاياها من دون حياء، وتعج كما الأفعى برحيق السم وتنقض على الكون». في قصيدة «إبداع»، المضمنة ديوانها «شيء له أسماء»، تتموج شاعرتنا كالبحر المتلاطم عند المد. تتلاحق أنواؤها عارمة، ويشعشع نورها. تتألق كالبرق الراكض من خلف الغيمة، وتتوهج كالمشكاة بنور الله، لتقول: «أتربع سيدة الإبداع على نهد النجمة. يكتمل جنوني وفنوني. يزأر في أرجائي، أقبيتي، سلطان الغابة. يزأر أسدي من وله بالنجم الأحمر يخترق الآفاق». فضلا عن القصائد، يتضمن ديوان «شيء له أسماء» دراسة نقدية لصبري حافظ، بعنوان «تحولات التجربة الشعرية»، يصف فيه الناقد المصري العاصمي بـ«الشاعرة المغربية الموهوبة»، متناولا «تجربة تنطوي على مجموعة من الثوابت، ومن التحولات التي تنتاب البنية والرؤية معا». بصدد الثوابت، يتحدث حافظ عن «المراوحة المستمرة بين الصوت الذاتي الحميم النابض بالصدق والرغبة في الانعتاق من أسر القيود، والصوت الجمعي المهموم بالواقع العربي وبقضايا العدل الاجتماعي والحرية». أما أهم التحولات الشعرية، فتبقى هي تلك التي «انتابت البنية الشعرية وبدلت من صيغة القصيدة نفسها، فابتعدت بها بالتدريج عن الغنائية واقتربت من الدرامية والتراكب، واستخدام الإحالات التناصية والأسطورية، في توسيع أفقها وإثرائها بمستويات متعددة من المعاني والتأويلات، ابتعدت بها عن التناول المباشر للموضوع، إلى التعامل الاستعاري والرمزي معه، لتتحول التجربة إلى تذكارات تضيف فيها الشاعرة بعد الزمن إلى بعد الواقع المتعين، فيتحول الوجود الشعري عندها إلى وجود في الزمن لا خارجه». يتقدم حافظ أكثر، فيتحدث عن لجوء العاصمي إلى «إدارة جدل بين الرؤى المتجاورة، والمتحاورة، لتوسيع أفق التجربة باستمرار»، و«استخدام استراتيجيات التجاور والاختلاف، واللعب بالحروف، والولع بالتقفيات الداخلية، والاكتفاء بالإيماءات الدالة دون التصريح. لكن هذا التراكم البنائي والدلالي لم يتحقق في عالم الشاعرة، كما هو الحال لدى عدد آخر من الشعراء، على حساب الوضوح، ولم يصب القصيدة بالالتباس والغموض، بل ظلت، رغم التراكب، تتسم بالسلاسة والحميمية، والنصاعة الدلالية». هي ذا العاصمي الشاعرة الكبيرة والموهوبة التي، ما بين البدايات على درب الشعر والإبداع، حيث القصيدة الأولى والديوان الأول وآخر القصائد والدواوين، طورت تجربتها. تقول: «التطور تلقائي تاريخي عندما يكون الشاعر جزءا من حركة الحياة ملتحما بتقلبات الإنسان والعالم والعصر ومكتسبات هذه الأقانيم وكبواتها، بما فيها تقلبات الذات والكينونة الخارجية والداخلية العميقة، باعتبارها أقانيم في حد ذاتها متعددة ومصطخبة في كل لحظة بأحاسيس ومشاعر وانشغالات وهموم مختلفة ومتفاوتة».