لا أظن أنه قد تفاجأ الكثير من المراقبين والسياسيين من تصريحات السيد باراك أوباما (الرئيس الأمريكي) الأخيرة في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة نيويورك تايمز حينما وصف الحوار الذي سيجريه مع حلفاء الولايات المتحدة العرب في الخليج "بالصعب معهم، لكنه يعد خلاله بتقديم دعم أميركي قوي ضد الأعداء الخارجيين.. لكنه سيقول لهم إنه يتعين عليهم معالجة التحديات السياسية الداخلية"! وفي المقابلة التي أجراها توماس فريدمان الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز مع الرئيس الأميركي قال: "أعتقد أنه عند التفكير فيما يحدث في سورية على سبيل المثال فهناك رغبة كبيرة لدخول الولايات المتحدة هناك والقيام بشيء. ولكن السؤال هو: لماذا لا نرى عربا يحاربون الانتهاكات الفظيعة التي ترتكب ضد حقوق الإنسان أو يقاتلون ضد ما يفعله (الرئيس السوري بشار) الأسد؟" من عجائب السياسة الأميركية الحالية نزوعها إلى الانكماش بدلاً من الانتشار والتأثير. أوباما الغارق في نظرياته الثقافية ومثل القانون ومُثل المحاماة لم يكن على وتيرة واحدة أبداً. تارة يهدد بضرب سورية حتى من دون موافقة الكونغرس، وتارة أخرى يحيله إليها، وتارات أخرى لا ينوي أصلاً توجيه ضربة إلى النظام السوري، هذا التنازع بين المواقف بين التصعيد والبرود، بين الوتيرة العالية والوتيرة الهادئة إنما يبين مدى التخبط لدى الإدارة الأميركية وتحديداً أوباما الذي لا يريد كما يقول أن ينقض وعده الذي انتخب على أساسه وهو عدم الخوض في الحروب التي تجري في مختلف المناطق، والتركيز على الشأن الأميركي الداخلي بعيداً عن المشكلات التي تحدث في أصقاع الأرض. الثورة السورية لم تكن ليستقوي عليها نظام الأسد إلا من خلال ضعف أوباما، والذي كنا نشاهده طيلة سنوات الثورة وإبادة النظام السوري لشعبه وبالتواطؤ مع روسيا وإيران لولا التعامي الأميركي الغامض عن المآسي الإنسانية ودماء الشعب السوري المراقة إنما هو امتداد لحالة القوة الأسدية التي يختزنها من ضعف أوباما. لقد عاشت مرحلة أوباما أكبر آثار الضعف حينما تم الكشف عن التجسس على القادة في العالم والذي كانت تمارسه الاستخبارات الأميركية فيما يأتي في سياق هذا التخبط الخطير. من المفارقات السياسية المضحكة في حوار السيد أوباما أنه قد فاته أن دعوته لدول الخليج بالإصلاح الداخلي قد تزامنت مع الاتفاق النووي مع إيران، ولا أدري إن كان الرئيس الأميركي يدرك سبب عدم مطالبته إيران بإجراء إصلاحات داخلية في وقت يعلم جيداً كم يفور الشعب الإيراني ضد حكومته، وكانت هناك فرصة سانحة وهم على طاولة المفاوضات الإيرانية إن كان فعلا يظن أنه لا تزال واشنطن تمارس دور "شرطي العالم" وتدافع عن حقوق الشعوب والإنسان في كل مكان أم أنها مجرد شعارات أو قد تنازلت فعليا عن هذا اللقب مقابل ما قد غاب أو غيب كشفه من تفاصيل الاتفاق النووي، ولكن من الواضح جدا أن عاصفة الحزم قد وَجّهت صفعة قوية لأميركا الضعيفة وحلفائها الجدد!