استضافت مؤسستا عبد الحميد شومان و"وتر" للثقافة والإبداع، الشاعر السوري أدونيس، في العاصمة الأردنية عمّان مساء الخميس، في أمسية حضرتها نخبة من المثقفين والشعراء والسياسيين ورجال الإعلام. وفي بداية الأمسية وصف وزير الثقافة الأسبق جريس سماوي الشاعر السوري بأنه متمرد لا يركن إلى حالة ثابتة بل يلح على تجاوزها، وجدلي بامتياز، اختار اسمه الأدبي من الأسطورة السورية القديمة، ولم يأت هنا ليلقي سلاما بل نارا يريد إضرامها. وقال إنه نشأ -أي أدونيس- وفي قلبه حب سوريا الطبيعية والإنسان والعالم، وما يميزه في ديوانه "أغاني مهيار الدمشقي" هو الجدة والحداثة والدهشة التي تجعلنا نقف مشدوهين أمام اللغة والمفاجأة ونحن نقرأ الكلام، "إنها الأدونيسية التي أصبحت مدرسة في الشعر". وقال أدونيس قبل أن يقرأ قصيدته "ملوك الطوائف" التي كتبها عام 1971، في إشارة لتطابق الحالة العربية الراهنة مع ضياع الأندلس، إنه استلهم القصيدة من رمزية الأندلس، ويخشى أن يأتي وقت يتهم فيه بالكفر والزندقة كل من يتحدث عن فلسطين. وأنشد من "مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف"، من ديوانه "وقت بين الرماد والورد": وجه يافا طفل هل الشجر الذابل يزهو هل تدخل الأرض في صورة عذراء من هناك يرج الشرق جاء العصف الجميل ولم يأت الخراب الجميل خرجوا من الكتب القديمة.. حيث مختلف الفصول وبكى أدونيس وهو ينشد قصيدة "الوقت" التي تتحدث عن بيروت والهم العربي والفلسطيني: حاضنا سنبلة الوقت.. ورأسي برج نار ما الدم الضارب في الرمل.. وما هذا الأفول!! قل لنا يا لهب الحاضر.. ماذا سنقول!! مزق التاريخ في حنجرتي.. وعلى وجهي أمارات الضحية ما أمرّ اللغة الآن.. وما أضيق باب الأبجدية. وكان للمرأة والحب نصيب من أمسية أدونيس، وأنشد من قصيدته "أول الجسد.. آخر البحر": نهضت أسأل عنك الفجر.. هل نهضت؟! رأيت وجهك حول البيت مرتسما في كل غصن رميت الفجر عن كتفي.. جاءت أم الحلم أغواني سألت الشمس هل قرأت خطاك.. أين لمست الباب؟! كيف مشى إلى جوارك ورد البيت والشجر!! النجار: أدونيس بدأ متشائما وبخاصة تجاه قضية فلسطين (الجزيرة) موقف أيديولوجي من جهته يرى أستاذ الأدب الحديث في الجامعة الهاشمية مصلح النجار أنه في سياق التطورات العربية الأخيرة لم يكن غريبا من مفكر كأدونيس أن يلتفت للمضمون من جديد، ويرجع لملوك الطوائف ليحدد موقفا أيديولوجيا من الواقع العربي من منظار عالج في نصفه الأول لحظة الخنوع العربي وجعل الثاني ضاجا بالنبوءات القاسية وعاد إلى أصل الأشياء في نصه الثالث. وقال إنه تكلم عن المرأة فبدأ بواحدة فيها الكثير من ملامح الأم، وانصرف لامرأة فيها من القدرة على إعادة الحياة لكنه بدأ متشائما وبخاصة تجاه قضية فلسطين، واصفا الشاعر السوري بأنه عبقري من عباقرة اللغة وإمكاناته اللغوية قلما تتجاوز، فقد امتلك من الفطنة ما جعل من قصيدته النخبوية مقصدا للجماهير. بدوره رأى الشاعر يوسف عبد العزيز أنه من خلال القصائد المقروءة تبدى صوت أدونيس الخاص وملامح قصيدته المدهشة التي يتقاطع بها الخاص والعام والواقع العربي المضطرب بصداه المتهاطل دما ودموعا، لكنه عبر تجربته الشعرية لم يفقد إيمانه العميق بالإنسان صاحب القضية وقدرته على التجاوز. وقال "للجزيرة نت" إنه لمس حضور فلسطين في قيامتها الجديدة متعانقة مع تطلعات الأمة العربية ورغبتها في الحرية والانعتاق، لكنه لم يكن ليبشر بالفرح القادم أو إشراقة المستقبل على عادة الساذجين الذين يمرون سريعا عبر التاريخ. عبد العزيز: قصيدة أدونيس تحفر في أرض الشعر وتستفز مكامن الدهشة (الجزيرة) واعتبر عبد العزيز أن قصيدة أدونيس تحفر في أرض الشعر وتستفز مكامن الدهشة والعذاب والفرح داخل الروح التي تشع بالأمل لتنهض من جديد، وقال ربما كان الحب هو التميمة التي يواجه بها أدونيس الخراب، وفي كل ما كتب يكون العاشق. أما الناقد الأدبي الدكتور سمير قطامي فيرى أن أدونيس يمثل واقع الإنسان العربي في عالمنا المأزوم الذي يعيش صراع الدم والقتل والذبح، فالوطن يضيق حتى يخنق أهله ومن لم يختنق بالقهر سيختنق بالدم والسيف، بحسب تعبيره. وقال إن أدونيس يصور صراع الإنسان مع السلطة القامعة والإرهابيين، وأشعرنا بأنه ما عاد قطر عربي يأمن فيه الإنسان على نفسه، فقضية فلسطين يريدون إماتتها ودفع الناس لنسيانها حتى لا يتهموا بالإرهاب.