يتناول عبد القدوس الخاتم في كتابه مراجعات في الثقافة السودانية وجوها متعددة للثقافة السودانية على ضوء دراسة فكرية نقدية شاملة، اشتملت على قراءة عميقة لعصور ازدهار الأدب السوداني في ستينيات القرن المنصرم، وتبصير بأهم منتج لأدباء سودانيين في عهود متفاوتة، إذ لم يقصر القراءة على جيل واحد، فشمل كل الأجيال بدءا من أجيال التأسيس في الكتابة والنقد وانتهاء بأجيال حديثة لها رؤية مختلفة مع أجيال سابقة. وانطوى الكتاب الصادر عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي على منهج نقدي عُرف به الناقد عبد القدوس الخاتم، والذي يعد أحد أبرز علامات النقد في السودان، وتضمن الكتاب ترجمات للكاتب وحوارات معه غاصت في عوالم نشأته وتقييمه للمشهد الأدبي في السودان قديما وحديثا. وارتبط الخاتم بحقبة الستينيات التي شملها بالاهتمام والتقدير والدرس، وغاص عميقا في دروب الكتابة السيرية والشعرية والسردية مع ملاحظات حول دراسات نقدية، وتتداخل في الكتابة أنماط متعددة من القراءات النقدية وبأسلوب خاص للناقد تناول به شؤون الثقافة السودانية ومكوناتها وأيام ازدهارها وتطورها وتراجعها مثلما تراجعت ثقافات عالمية بتغير الأزمنة وصراعات الأمكنة. نموذج ثقافي يقول الخاتم في إشارة إلى كتاب محمد عثمان يسن ذكريات وأحاديث عن تاريخ ونقد الشعر في السودان، إن المؤلف أبعد ما يكون عن إصدار أحكام القيمة سياسية كانت أم فنية أم أدبية، ولكنه يكتفي باللمحات الدالة الموحية، فعنده أن أعضاء الجمعية السرية التي مونها المثقفون في العشرينيات تشبه إلى حد كبير الكتاب الفرنسيين الذين هيؤوا الجو للثورة الفرنسية، فقد كانت منشوراتهم وأشعارهم تحفز الشعور العام وتلفت نظر الشعب لمساوئ حكم الطغاة. وعن صراع الأجيال يشير الخاتم إلى غيوم كثيفة تنعقد في سماء الأدب السوداني، وأسئلة شائكة تنهش ذهن المراقب الحائر، ثم يمضي قائلا ألم يخرج شعراء الغابة والصحراء من عباءة جوجول الشعر السوداني المعاصر محمد المهدي المجذوب؟!. ويشير الناقد عبد القدوس إلى الشاعر عبد الله شابو معتبرا إياه من ضحايا حركتنا النقدية، ولا نقول من ضحايا القبَلية النقدية، هذه الأخيرة سمة في تاريخنا الحديث، فقد تجاهل دائما اليسار أدباء اليمين السياسي، وشابو واحد من رتل طويل من شعرائنا الذين أشاح النقد ببصره عنهم، ويضيف أن شابو جاء في فترة الستينيات، مع رفقاء له نالوا -دونه- حظهم من الشهرة، بل إن بعضهم نال أكثر مما يستحق من الدراسة والتقييم ليس بسبب الموهبة ولكن بسبب العصر الذي جاؤوا فيه وتميز بتلك التفرقة. وفي حقل كتب المذكرات قال الخاتم عن مذكرات بقادي-سياسة بالصحافة إن المؤلف أحمد علي بقادي قضى في سجون مصر وحدها أربعة أعوام ونصف العام بسبب نشاطه السياسي المحظور وانتمائه لليسار ثم عاد للسودان لاستئناف دراسته، ولكنه عدل عن ذلك وخاض غمار العمل الصحفي حتى انتهى به الأمر إلي الكارثة التي تعيد إلي الأذهان المآسي الإغريقية الخالدة حيث لم يتزحزح عن مواقفه قيد أنملة وسبح ضد التيار. وتناول الخاتم في كتابه مراجعات في الثقافة السودانية أسماء كثيرة سامقة في سماء الأدب السوداني، منها الشاعر محمد المكي إبراهيم والروائي الطيب صالح والناقد محمد محمد علي والشاعر صلاح أحمد إبراهيم، وتناول فترة ربيع الشعر ورواية المسكوت عنه في الستينيات. القراءة العميقة يقول الناقد الدكتور مصطفى الصاوي للجزيرة نت إن عبد القدوس الخاتم في كتاباته عن الرواية يتميز بالقراءة العميقة وبالمنهجية ورصد جدلية الشكل والمضمون وموضعة الرواية في سياق التدفق الكمي والنوعي للرواية السودانية. ويشير إلى أنه عني بنقد الرواية، فكانت إشاراته المعمقة لرواية شوقي بدري الحنق وحكايات قرية المصباح أسوة بما فعل في كتابه الأول عن الطيب صالح، وكذلك ما دوّن عن عبد القادر محمد إبراهيم. ويضيف الصاوي يمكن القول إن الناقد عبد القدوس الخاتم قد أسس لنفسه منهجا نقديا قوامه التأصيل النقدي وتعويله الجم على التطبيق النقدي، والأخيرة غائبة كثيرا في جل ما يكتب من نقد. بينما يرى القاص والروائي عيسى الحلو أن عبد القدوس قلم قوي وعميق الثقافة وله ذائقة جمالية أصيلة ومنفتح علي الحداثة وهو يعالج في كتابه هذا العديد من الظواهر الإبداعية في أجناسها المختلفة، ويضيف أن قدرة عبد القدوس النقدية الكبيرة استطاعت أن ترى كل الأجناس الإبداعية في تلامسها وفي تجاورها، فقد عالج الشعر الغنائي وعالج المسرحية واللوحة التشكيلية والرواية والقصة والشعر، وتابع تطور هذه الأجناس الأدبية منذ ما قبل استقلال السودان في مدارسها التقليدية وتطورها في زماني الحداثة وما بعد الحداثة.