×
محافظة المنطقة الشرقية

"رئيس الهيئات": رخصة عمل لكل عامل في الميدان من منسوبي الهيئة

صورة الخبر

لم تتوضح بعدُ معالم الموقف الذي تتخذه الولايات المتحدة الأميركية إزاء عاصفة الحزم بالقدر اللازم الذي يحدد السياسة التي تنهجها القوة الكبرى في العالم في التعامل مع المتغيرات الجارية في الإقليم، في ظل التمدّد الإيراني الآخذ في التوسع أمام مرأى العالم ومسمعه في تحدٍّ صارخ للقانون الدولي. فالموقف الأميركي من التطورات التي تقع في اليمن، لا يزال حتى الآن، متذبذباً وغير مستقر على حال. ولم تكفِ التصريحات التي أدلى بها أخيراً الرئيس الأميركي باراك أوباما بخصوص الأزمة في اليمن، في زرع الثقة وإزالة الشكوك والإجابة عن الأسئلة المطروحة حول الأهداف القريبة والبعيدة التي تتوخاها السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة العربية خلال المرحلة الحالية. إذ لم يكن الرئيس الأميركي واضحاً ودقيقاً وحاسماً في تصريحاته الصحافية التي أراد بها طمأنة دول الخليج العربي، وتأكيد حماية بلاده لأمن المنطقة والتزامها بالوقوف إلى جانبها لمنع أي مساس بسيادتها أو تهديد لسلامة أراضيها، لأنه خلط بين الأمور على نحو يثير الشك، حين ربط بين حماية أمن الخليج العربي وبين الإصلاحات السياسية التي قال إنها يجب أن تستجيب لتطلعات الشعوب. وهي اللغة ذاتها التي كان يستخدمها إبان ما كان يعرف بالربيع العربي، الذي ما لبث أن انقلب إلى خريف كثيف الضباب عاصف الريح، اقتلع أوتاد الاستقرار في عدد من الدول العربية التي هبت عليها تلك العواصف المدمرة. وكأنّ الولايات المتحدة كانت تريدها فوضى هدامة تشمل العالم العربي من مشرقه إلى مغربه، لولا اليقظة السياسية الواعية والحازمة التي عمت عدداً من الدول التي كانت أيضاً مستهدفة، وأجهضت ذلك المشروع التدميري، وصدَّت الموجات العاصفة عن أراضيها. هذا الغموض الذي يكتنف الموقف الأميركي مما يجري في اليمن، على وجه الخصوص، نجد له تفسيرات عدة في ما ينشر من تقارير تصدر عن مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية، وما يستنتج من تحليلات للمتغيرات المتلاحقة والربط بينها. إذ لا يمكن الفصل بين هذا الموقف الذي لا يطمئن دول المنطقة، والتفاهمات الأميركية الإيرانية حول الملف النووي الإيراني التي انتهت إلى النتيجة التي كانت تتطلع إليها أميركا باسم الدول الخمس زائداً ألمانيا وهي «اتفاق الإطار». ذلك أن واشنطن تحسب حسابها مع طهران في معزل عن مراعاة الأمن القومي العربي، ودونما اعتبار لمصالح حلفائها في المنطقة، لأن المصالح الاستراتيجية الأميركية ترى وضع إيران في المقام الأول، ولو كان ذلك على حساب العلاقات الأميركية العربية، بل حتى ولو بسطت إيران نفوذها بالكامل على المنطقة ليشمل العراق وسورية ولبنان واليمن في مرحلة أولى، قد تعقبها مرحلة ثانية من الاجتياح الإيراني للدول العربية. هذه السياسة الغامضة التي تتعارض مع معايير القوانين الدولية، التي تمارسها واشنطن في هذه المنطقة من العالم، أدت إلى خسارة المصالح الأميركية في أفغانستان والعراق وسورية ولبنان واليمن، أو في فلسطين العربية المحتلة التي تتحمّل الإدارة الأميركية، في جميع عهودها المتعاقبة، المسؤولية الأولى في الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل، بدعم كامل وتأييد مطلق منها. فهل غاب عن الإدارة الأميركية أن النظام الإيراني ينفذ ســـياسة استعمارية توسّعية في المنـــطقة، تهدد الدول العربية، وتزرع الفتن والقلاقل، وتحدث الاضــطرابات والتوترات التي لن تكون في مصلحة الولايات المتحدة بأي حال من الأحوال؟. وهل يخفى على واشنطن المخطط الإيراني الطائفي الذي يستهدف زعزعة الاســـتقرار في المنطقة وتأجيج الكراهــــية والعداوة والنفخ في الصراع الطائفي بين الشـــعوب التي عاشت في هذا الإقلـــيم عبر العصور المتطاولة، في أمن وسلام فيما بينها؟. أم أن من مصلحة واشنطن أن تتمدّد إيران ويتوسع نفوذها وتغزو المنطقة وتخضعها لهيمنتها وسيطرتها؟. وإذا كانت روسيا الاتحادية تتحمل المسؤولية مع إيران عن الانهيار المرعب الرهيب للأوضاع في سورية، بانحيازها الكامل إلى النظام الاستبدادي والإرهابي في دمشق، فإن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية ذاتها إزاء انسداد الآفاق أمام تسوية سياسية لا يكون بشار الأسد جزءاً منها، مما يفسح المجال أمام النظام الفاقد للشرعية، لممارسة المزيد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يذهب ضحيتها الشعب السوري الذي يعيش اليوم أسوأ مرحلة من حياته، بعد أن نزح أكثر من ثلث المواطنين السوريين إلى دول الجوار، أو إلى مناطق أخرى في الداخل طلباً للأمان، وبعد أن دُمّرت المدن والقرى بصورة مرعبة، وانتشر الخوف والجوع، وفقدان الأمل في حياة حُرّة كريمة. فالدولتان معاً، روسيا والولايات المتحدة، ومعهما إيران، تتحمّل جميعاً المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية عن هذه المأساة الإنسانية المروعة. فلو كانت واشنطن تتحرك في الاتجاه الصحيح، لحماية الشعب السوري، وللإطاحة بالنظام الاستبدادي الطائفي، لما وصلت الأزمة السورية إلى هذا المستوى من التفاقم والتعقيد. ولنا أن نقول ذلك أيضاً عن موقف الولايات المتحدة من السياسة التوسعية التي تنهجها إيران، لزعزعة الاستقرار في المنطقة، حتى تصبح هي الدولة الأقوى الممسكة بزمام السياسة الإقليمية، ولو بالمشاركة مع الولايات المتحدة. فلو تحركت واشنطن في الوقت المناسب، وقامت بما يمليه عليها الواجب الإنساني الأخلاقي والسياسي أيضاً، لما تفاقمت الأزمة اليمنية، ولما كانت الميليشيات الحوثية تندفع للاستيلاء على السلطة وإسقاط الدولة وتهديد دول المنطقة بدعم مطلق من إيران. من أجل ذلك، لا نجد بُدّاً من تكرار السؤال عن الغموض المريب الذي يكتنف الموقف الأميركي من الأزمتين اليمنية والسورية، لأنه غموضٌ ضارٌ بمصالح أمتنا العربية الإسلامية، وإن كان يُغلف بغشاءٍ خادع. * أكاديمي سعودي.