لفرنسا إستراتيجيتها الإعلاميّة في الشرق الأوسط عبر مؤسسة "فرانس ميديا موند" التي يعرف اللبنانيون باقاتها الإعلامية الثلاثة: "مونتي كارلو الدولية" و "فرانس 24" بالإضافة إلى "راديو فرانس إنترناسيونال". ولأنّ لبنان بلد فرانكوفوني هام لفرنسا زارت رئيسة مجلس إدارة تلفزيون "فرانس ميديا موند" ماري - كريستين ساراغوس بيروت، حيث وقعت اتفاقيات لتطوير التعاون مع عدد من المؤسسات الإعلامية والصحافية اللبنانية، واستضافها السفير الفرنسي باتريس باؤلي أمس في "قصر الصنوبر" حيث تحدّثت عن الإستراتيجية الإعلامية الفرنسية في الشرق الأوسط إلى جانب مدير تلفزيون "فرانس 24" مارك صيقلي. تشعّبت الأحاديث الإعلامية بين دور فرنسا الإعلامي وواقع الإعلام الفرنسي الرسمي، وساراغوس الضليعة في هذا الملف منذ تخرّجها من "المدرسة الوطنية للإدارة" (إينا) عام 1987 تحدّثت بصراحة مطلقة، معرّجة على وضع النساء في وسائل الإعلام الفرنسية، وقالت بأنّ استضافة النساء ذوات الخبرة في المجالات المختلفة ضئيل على الشاشات عامّة، وغالبا ما تظهر وسائل الإعلام النساء كضحايا أو كضيفات مهمّشات، لذا تحاول المؤسسات الفرنسية أن تدرّب النساء على الكلام في وسائل الإعلام وهو تحدّ أساسي وخصوصا في الأخبار تجنبا للصور النمطيّة. وقالت ساراغوس بأنّ المؤسسات التي تعمل فيها تحاول قدر الإمكان منح فرص للنساء لتتبوأ مناصب قيادية في المؤسسات الإعلامية. وكشفت أنّ الفجوة بين النساء والرجال العاملين في الإعلام موجودة في فرنسا حيث تراوح 9 في المئة في ما يخصّ الرواتب، "وتحاول مؤسساتنا ردم هذه الهوّة معنويّا ومادّيا بقدر الإمكانية نظرا إلى ضغوط التمويل والسياسة والوضع الداخلي الصعب للإعلام الرسمي الفرنسي". وشكرت ساراغوس اللبنانيين الذين تعاطفوا مع الفرنسيين إبّان حادثة "شارلي إبدو" التي ذهب ضحيتها عدد من رسّامي الكاريكاتير الفرنسيين وصحافيين قتلهم هجوم إرهابي في يناير الفائت. وقالت: "أشكر لبنان على رسائل الدّعم التي قدّمها لشعب فرنسا، واللبنانيون يدركون تماما ماهيّة التعرّض لحرية التعبير". ولفتت إلى أهمية التنوّع في المؤسسات الإعلامية، وأعطت مثلا عن التلفزيون الرسمي الفرنسي حيث يضمّ 1700 موظف من 35 جنسية يتكلمون 15 لغة، وقالت بأنّ التنوّع هو دليل قوّة للمؤسسة الإعلاميّة وخصوصا عندما يتمّ التعاطي مع قضايا معقدة كما في الشرق الأوسط، وقد لمسنا غنى في فريق عملنا فور اندلاع حوادث اليمن الأخيرة حيث بدت هذا البلاد غريبة للمراسلين الأجانب لكنّ المراسلين العرب كانوا عارفين بحقيقة الصراع وسرعان ما قدّموا تغطية مميزة. وتحدثت عن ضرورة ضمان الاستقلالية حتى في الإعلام الرسمي وعدم نسيان القيم الأخلاقية وضرورة تصادم الأفكار وعدم الخضوع لرغبات الممولين والإعلانات المشبوهة، مشيرة إلى أنّ بلدانا غنية عدّة تعرض على التلفزيون الفرنسي أموالا طائلة لتسويق أفكار لديها "لكن القانون يرفض قبض المال لتسويق أفكار معينة وبالتالي ليس سهلا جلب المال من الإعلانات كلّها، فلو كان مسموحا نشر كلّ شيء لكنّا أغنياء جدّا". ولفتت إلى أنّ ضمانة الاستقلالية تكون أيضا عبر الخطّ التحريري، المعتمد في وسائل الإعلام والذي عليه الحفاظ على تنوّع الآراء ومواجهة الأفكار لبعضها البعض. وفي إطار مواجهة الأخبار الملفقة أو التي تهدف إلى غسل الدّماغ تحدثت عن مشروع "فرانس 24" الذي يشترك فيه عدد من المراسلين الذين يزورون المدارس الفرنسية ويشرحون للطلاب كيفية رصد التلاعب بالأخبار أو الصور وخصوصا عبر الإنترنت، وتثقيفهم بحيث يكونون ناقدين وممحصين لما يتلقونه من معلومات قد تهدف إلى التضليل حول قضية معينة أو إلى جرّهم إلى أفكار خاطئة كما تفعل المنظمات الإرهابية. وتطرقت إلى إستراتيجيتين حديثتين اعتمدتها وسائل الإعلام الفرنسية، تعتمد الأولى على وسائل الاتصال السريع ومنها الهواتف الذكية بمعنى أن تعتمد الأخبار هذه الوسائل السريعة، والثانية تشاركية عبر وسائل التواصل الاجتماعية مثل "تويتر" و"فيسبوك"، بالإضافة إلى مواقع خاصّة "ويب دوغ" يعمل عليها مطوّرون للمضامين وللصور والرسوم وهي مواقع خاصة تلخص العناوين الأكثر جذبا للقراء. لكن في هذه الخطوات كلّها حرصت الوسائل الإعلامية الفرنسية على قاعدة "تبديل الأدوات وليس القيم المهنية". وقالت ساراغوس: "نحاول أن نخرج من الكلاسيكيّة وأن نضع الإنسانية في قلب الأخبار وأحيانا نعمد إلى تخفيض سرعة الحدث عبر تقارير طويلة (لا تتعدى 24 دقيقة) تترك حيزا للمشاعر وللتفاصيل الإنسانية التي لا تتضمنها الأخبار اليومية السريعة".