الاستثمار في الإنسان يعني وضع خطط وأهداف بعيدة المدى لحسن اختيار الإنسان السعودي للمناصب القيادية رجلاً كان أو امرأة والنهوض بكل متطلبات تعليمه وتدريبه وتمكينه ودعت سنغافورة قبل أيام باني نهضتها السيد (لي كوان يو) الذي قادها وبكل جدارة من العالم الثالث إلى الأول وفي مدة لم تتجاوز الثلاثين عاماً رغم أن سنغافورة لا تمتلك أياً من عناصر القوة سوى الإنسان، مساحتها لا تتجاوز مساحة مزرعة إنتاج في دولة من العديد من دول العالم! حيث تبلغ سبع مئة كيلو متر مربع ومع هذا بلغ ناتجها القومي العام الماضي314 مليار دولار لتحتل المرتبة الثامنة والثلاثين على مستوى العالم ومتجاوزة معظم الدول العربية، وقفز دخل الفرد خلال أربعين عاماً من أربع مئة دولار في السنة في بداية ستينات القرن الماضي إلى تسعة وأربعين ألف دولار في الوقت الحاضر، وكان رهان الرئيس (لي كوان يو) وتركيزه هو الاستثمار في الإنسان تعليماً وتدريباً وتمكيناً مع التركيز على بناء اقتصاد قوي أساسه الصناعة والتصدير والسياحة ومحاربة الفساد وتعزيز النزاهة والمحافظة على البيئة. أما الدولة الأخرى التي تتضح فيها أهمية الإنسان في البناء فهي زمبابوي التي أصبحت واحدة من أفقر دول أفريقيا بعد أن كانت من أغنى تلك الدول، وكانت تصدر الفواكه والخضروات واللحوم والمعادن، كانت مستعمرة بريطانية تسمى روديسيا ثم نالت استقلالها في عام 1963 وتولى سكانها البيض وهم أقلية زمام الأمور وظلت مزدهرة إلى أن تولى سكانها الأصليون من السود زمام الحكم بقيادة موقابي فأمموا المزارع والمصانع وطردوا ملاكها البيض حينها توقفت المصانع والأنشطة السياحية التي كان البيض يشرفون عليها وانتقلت من عنصرية البيض ضد السود إلى عنصرية السود ضد البيض وكأنه لا توجد حلول وسط، بل إعادة لأخطاء التاريخ، وهذا الفرق الكبير في الأداء الاقتصادي لزمبابوي لا يعني أن البيض يتفوقون على السود في الذكاء أوالجينات، لكنه التعليم الجيد وثقافة حب العمل وإتقانه ووضع الأولويات ومحاربة الفساد. وفي هذه الأيام تخوض المملكة العربية السعودية معركة شرسة مع التمدد الإيراني وخصوصاً في اليمن حيث أطلقت عاصفة الحزم ضد الحوثيين الذين يريدون تأسيس حزب مسلح على غرار حزب الله داخل الدولة اليمنية، وقد أثبتت القوات الجوية أن الاستثمار في الإنسان هو الأثمن والأجدى وأن كل ريال يصرف على تعليمه وتدريبه سيعود بالنفع على البلد وأمنه واستقراره. وعاصفة الحزم ليست سوى البداية لسلسلة طويلة من الجهود التي تقودها المملكة لحماية أرضها وشعبها ومساعدة اليمن على التخلص من النفوذ الإيراني وبناء اقتصاده وتعليمه وتحسين مستوى معيشة شعبه بشكل عام، إضافة إلى مد يد العون للدول المجاورة لتجتاز ما تعانيه من مصاعب، مما يعني التركيز على ما يتطلبه اقتصاد المملكة من جهود كبيرة للنهوض به وجعله اقتصاداً قوياً مستداماً لا يعتمد على مصدر ناضب، فلولا الاقتصاد القوي ومكانة المملكة وقوتها لما كان هذا التحالف في عاصفة الحزم. نحتاج في هذا الوقت بالذات وأكثر من أي وقت مضى إلى الاستثمار في الإنسان أساس كل اقتصاد قوي متعدد المصادر لنتمكن من دعم المجهود الحربي وتعويض انخفاض أسعار البترول والوفاء بالتزاماتنا تجاه المواطن ودعم الأشقاء، ولذا علينا القيام بالخطوات الآتية: أولاً. الاستثمار في الإنسان يعني وضع خطط وأهداف بعيدة المدى لحسن اختيار الإنسان السعودي للمناصب القيادية رجلاً كان أو امرأة والنهوض بكل متطلبات تعليمه وتدريبه وتمكينه، وأن نستفيد من تجارب بعض الشركات الناجحة مثل أرامكو حيث وضعت برامج وخططاً مكنتها من امتلاك أفضل الكفاءات على مستوى الدولة، وتبدأ برامجها بحسن اختيار الملتحقين بالشركة ثم تعليمهم وابتعاثهم لأفضل الجامعات داخل المملكة وخارجها ووضع برامج تعليم وتدريب مستمر على رأس العمل، مع إعطاء الموظف كامل الحقوق من سكن وعلاج ومرتب مجز، مما مكنها من الاحتفاظ بالموظف وضمان ولائه وحسن أدائه، واستفادة الوطن منه بعد تقاعده، مثل هذه البرامج يجب أن تطبق في الوزارات التي بحاجة إلى كفاءات وطنية من مهندسين وإداريين على مستوى عال من الكفاءة والأداء، ومن أهم تلك الوزارات وزارة الشؤون البلدية والقروية التي تفتقر العديد من مشاريعها إلى الكفاءات الوطنية لإدارة مشاريعها الكثيرة لقلة إقبال حديثي التخرج على وظائفها الهندسية لضعف الرواتب ونقص التدريب وقلة فرص مواصلة التعليم العالي وبسبب منافسة القطاع الخاص لما يقدمه لهم من مرتبات عالية، مما جعل البلديات تستعين في تخطيط ومراقبة مشاريعها على كفاءات من دول مجاورة وبعقود موقته مضيعة بذلك فرصاً لا تتكرر في تدريب أبناء الوطن على رأس العمل. ثانياً. العمل في الشركات الكبيرة من أهم أسس بناء الإنسان، وهذا لن يتحقق إلا بإنشاء شركات كبيرة من أهم أولوياتها التصنيع والتصدير وبناء الإنسان السعودي وهذا من أهم أولويات الدولة وعلى الأخص وزارة التجارة والصناعة وهيئة الاستثمار، علينا أن نركز على بناء شركات كبيرة ومربحة بالشراكة مع الشركات العالمية الكبيرة وجعل الإدارة مشتركة للاستفادة من الخبرات العالمية المتراكمة وثقافتهم التي تعطي العمل ما يستحقه من دراسة وإشراف وإتقان. اليابان على سبيل المثال خرجت من الحرب العالمية الثانية منهكة ومدمرة، لكنها ركزت على العنصر البشري وأدخلت الجودة الشاملة في إدارة شركاتها، وجعلت للتصنيع والتصدير أولوية حتى انه صار من شروط تولي رئاسة الوزراء أن يكون قد سبق له تولي وزارة الصناعة والتصدير. قدر المملكة أن تكون قائدة للعالم العربي والإسلامي مما يحتم عليها بناء اقتصاد قوي متعدد المصادر قوامه الإنسان وحسن تعليمه وتدريبه وزيادة توفير الحياة الكريمة له ولأبنائه وهذا ما سيمكّن المملكة من مواصلة أداء دورها الريادي الذي تشرفت بحمله.