لم يكن ينقصنا بعد حادثة التحرش بالفتاة والاعتداء الوحشي عليها في كورنيش جدة جهارًا نهارًا، إلا السب والقذف واللعن من أحد المعتوهين، والمتعفصين المتغفصين، بدرجته العلمية التي لم ترفع من مستواه الأخلاقي ليرتقي خطابه، وتتأنق كلماته، فبدا سوقيًا ولو وضع ألف «أ» و»د» قبل اسمه. لماذا أسأنا استخدام قنوات التواصل الاجتماعي بهذا الشكل؟ سؤال يطرقني عندما أتابع تويتر أو فيسبوك، وأطّلع على التفاهة والتهافت في لغة البعض، لإثبات الحضور، وللتأكيد على الفاعلية والنشاط الإلكتروني، واستدراج المتابعين، بعد أن أصبح عدد المتابعين أسهل وسائل الشهرة وعلو الصيت، حتى أصبحت بعض الصفحات وبعض التغريدات في انحطاط «تغريدة» أو «تنهيقة» أخينا الذي قذف فيها أهل جدة ولعنهم، وتعدى على انتمائهم ووطنيتهم. أجل «تنهيقة» أقرب لوصف كل تلك العبارات البذيئة والعنصرية واللعن والسب والقذف، لأن من اخترع «تويتر» لم يخطر على ذهنه، أن أحدًا مهما كان مستواه الأخلاقي هابطًا يمكن أن يُلوِّث إبداعه بتلك الكلمات المشوهة، ربما كان احتاط للأمر وجعل «تغريدة» للكلام الجميل والإيجابي الذى يبني ولا يهدم، يوصل ولا يفصم، يعطى جرعة من التفاؤل والمحبة والخير، هي هذه المعاني التي يمكن أن نطلق عليها «تغريدة»، أما تلك العبارات التي تعبر عن نفسية مريضة، وعنصرية بغيضة وسوء أخلاق وقلة أدب، فتلك لا بد أن يوضع بجوارها رأس حمار تدليلا على أنها أقرب إلى النهيق، وهو صوت الحمار الذي وصفه الله سبحانه وتعالى بأنكر الأصوات، فالكلمات والعبارات أصوات تخرج من جوف كاتبها، وتعبر عن داخله وطويته وبيئته ومستواه الأخلاقي. مع أني أفخر دائمًا بأني مكيّة الجذور والمنشأ والهوى، إلا أني عشت في جدة أضعاف السنوات التي عشتها في مكة، وأصبحت ليس فقط من سكان جدة بل من أهلها، نبّهتني ابنتي مرّة وأنا أنتقدها لأنها لا تعرف بعض المفردات المكيّة القديمة وهي من أهل مكة، قالت إنها وُلدت ونشأت وتعلّمت في جدة. انتبهت حينها أني أردت أن أُرسّخ وهمًا عشش في رأسي، بما أني مكيّة الأصل والمنشأ، فلابد حتما وبالضرورة أن تنتسب بناتي لمكة المكرمة، لكنى اكتشفت صدق ابنتى وأني أيضا أصبحت «جداوية»، هذا ليس هو دافعي للدفاع عن أهل جدة، بل لأثبت أن الإنسان ينتمي حيث يعيش ويتعلم ويعمل ويصادق، مهما كانت البقعة المكانية قاصية أو دانية، غليظة أو حانية، إلا أن الإنسان يتأقلم حيث يمضي أكبر قدر من حياته، حيث الأهل والجيران والأصدقاء، زملاء المدرسة والعمل، فما هي حقيقة هذه العبارات العنصرية التي يوصم بها أهل مكة وجدة مدينتي الحبيبتين، (طروش) كما قال في تلك التنهيقة، أو (طرش بحر) كما يُوصِف بها أهل جدة، المدينة العريقة التي ذكرتها كتب التاريخ، فهي بوابة الحرمين الشريفين والمدينة التجارية الأكثر رسوخا في عالم الاقتصاد والتجارة. العبارة الأخرى (بقايا حجاج) ويُوصِف بها أهل مكة، مع أن بعضهم عاش أجداده من مئات السنين، وفيها السادة والأشراف، وقريش وسدنة الكعبة المشرفة، فهل تليق مثل هذه العبارات في وطن يحكمه أبناء عبدالعزيز موحد المملكة العربية السعودية؟! nabilamahjoob@yahoo.com