مرة أخرى، تعود الدبلوماسية الفرنسية إلى الواجهة وتسعى باريس جاهدة لتقديم نفسها طرفا فاعلا في الأزمة السورية من خلال تنظيم اجتماع دولي اليوم، بعد أن استبعدت من اجتماع فيينا يوم الجمعة الماضي. وحتى مساء أمس، لم يعرف ما إذا كانت فرنسا «أو أي طرف أوروبي» سيدعون للاجتماع الثاني في العاصمة النمساوية الذي يفترض أن يضم، الجمعة المقبل، الأطراف نفسها أي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والسعودية وتركيا. هذا في الوقت الذي قال فيه المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، أمس الاثنين، إن الحكومة الألمانية لا تتخيل أي سيناريو يلعب فيه الرئيس السوري بشار الأسد دورا في حكومة انتقالية بسلطات تنفيذية كاملة. وقالت مصادر دبلوماسية عربية وغربية لـ«الشرق الأوسط»، إن وزراء خارجية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وتركيا والأردن، سيشاركون في الاجتماع، فيما كان الوزير فابيوس قد أعلن في المؤتمر الصحافي الذي أعقب لقاءه يوم الجمعة الماضي مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في مقر الخارجية أنه دعا نظراءه وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والسعودية. أما الناطق باسم الخارجية رومان نادال، فقد قال أمس، في إطار المؤتمر الصحافي الإلكتروني، إن الخارجية تعمل على «تنظيم اجتماع جديد يشمل أبرز الأطراف الإقليمية». ورغم الدور المتنامي الذي تلعبه روسيا في الأزمة السورية عسكريا وسياسيا والأفكار التي تطرحها إن في الإطار الرباعي أو خارجه، فإن الوزير سيرغي لافروف لم يدع إلى باريس، وهو ما قاله الوزير فابيوس لـ«الشرق الأوسط» في المؤتمر الصحافي المشار إليه. كذلك، فإن الغائب الثاني البارز عن اجتماع اليوم الذي سيكون حول «عشاء عمل» في مقر الخارجية، هو إيران، ولكن لأسباب مختلفة. وبحسب باريس، فإن الطرف الإيراني «لم يكشف بعد عن رغبة في لعب دور إيجابي» في توفير الحلول للمسائل الإقليمية حتى تتم دعوته. جدير بالذكر أن موسكو تسعى لضم طهران وأطراف أخرى، منها مصر والأردن وقطر والإمارات إلى الجولات الدبلوماسية المتسارعة التي تركز كلها على إيجاد تصور مشترك للمرحلة الانتقالية. بيد أن مصادر غربية في باريس رغم تأكيدها أن الغرض الظاهري للاجتماع هو «التشاور والتنسيق»، إلا أنها لفتت إلى أن أحد الأهداف الكامنة من اللقاء الوزاري الموسع في العاصمة الفرنسية، هو «تثبيت المواقف» بمعنى «تثبيت الخطوط والمواقف» التي يتعين أن يكون التفاوض من ضمنها. وبكلام أوضح، فإن باريس التي تتمسك بموقف متشدد من الرئيس السوري بشار الأسد الذي لا تريد له دورا لا في المرحلة الانتقالية ولا بعدها، بخلاف عدد من المواقف الأوروبية «والأميركية» المتسمة بالليونة، تسعى لـ«تحاشي الانزلاق» إلى «وضعيات متساهلة». ومن الأمور التي لا تقبلها باريس وتريد أن يكون الآخرون على الخط نفسه معها، رفض قبول الانتخابات التشريعية أو الرئاسية التي يروج لها الطرف الروسي بحجة أنها «الطريق السليم للتعرف لما يريده الشعب السوري». وتقول المصادر الغربية إن صفة «الوسيط» القادر على لعب دور صلة الوصل بين الأطراف المختلفة التي تسعى موسكو للتحلي بها من خلال حراكها السياسي: «ليست في محلها»، إذ إنها «طرف قبل أن تكون وسيطا». فضلا عن ذلك، فإن طرح مشروع الدعوة إلى انتخابات يبدو كأنه «كلام حق أريد به باطل»، إذ كيف يمكن تصور حصول انتخابات في بلد نصف سكانه إما مهجر أو لاجئ. ثم إن هذه الدعوة تخالف مبادئ جنيف - 1 التي تنص بداية على تشكيل سلطة انتقالية يكون لها أن تدعو، حينما تتوافر الظروف، لانتخابات. أما النقطة الأخيرة التي تشدد عليها باريس فهي رفض إتاحة الفرصة للرئيس الأسد للترشح مرة أخرى وهو ما تعبر عنه بعبارة أن «لا مكان للأسد في مستقبل سوريا». واختصرت مصادر فرنسية غرض الاجتماع بالقول إنه يهدف لـ«بلورة مواقف جماعية توصل إلى المفاوضات». وخلال الأيام الماضية، كثف وزير الخارجية الفرنسي من اتصالاته مع نظرائه فيما أرسل المدير السياسي للوزارة إلى موسكو لمناقشة المقترحات الروسية مع المسؤولين. بموازاة ذلك، تعمل باريس في مجلس الأمن على طرح مشروع قرار هذا الأسبوع يدين استخدام النظام السوري للبراميل المتفجرة ويدعو إلى وقف اللجوء إليها لما توقعه من ضحايا لدى المدنيين. ويتبنى العضوان الأوروبيان الآخران في المجلس، أي بريطانيا وإسبانيا، المشروع الفرنسي الذي يحظى أيضا بدعم أميركي. وفي أي حال، تتوقع الأوساط الفرنسية أن تكون المفاوضات «شاقة» والمساومة «طويلة» بالنظر لما تنطوي كل فقرة من تبعات لاحقة. لذا، فإن أي «اختراق» جدي لن يكون في متناول اليد قريبا بانتظار أن تبدأ المفاوضات الجدية أي تلك التي تشهد تقديم التنازلات المتبادلة التي لن يتم اتفاق من دونها.