عندما يستيقظ من نومه ويفتح إحدى عينيه بصعوبة يسارع إلى تناول جواله الذكي بنهم، يتقلب بين تويتر وسناب شات وواتس أب وانستقرام وغيرها، وبعد هذه الجولة العابرة يحاول أن ينطلق في يومه بهمة ونشاط، لكنه تعود أن يشاهد نشرات الأخبار الصباحية الموسومة دائما بلون الحَمَار وغُبار الدمار. في جلساته المسائية يبحث عن مسلسل درامي كئيب يتراقص بعواطف المشاهدين عبر استخدام أدوات العنف والجنس والخيانة وتصدير الاكتئاب، ثم يعود لمواقع التواصل وهو أقرب ما يكون ردة فعل للكثير من الأشياء والحوارات والمواضيع المطروحة، ويبحث دائماً عن الهاشتاق الساخن ليكون نجماً له ومواضيع الصراعات ليصبح أحد المنظرين البارزين فيها حيث يسوق للكثير من الحلول للعديد من الأزمات، ولو التفت قليلاً في حياته الخاصة لوجده يعيش فوق برميل من البارود قابل للانفجار، فالكثير من ملفات حياته معطل، والتوازن غائب والفجوات واضحة والتقصير عظيم والتحديات في الداخل تكبر وهو يهرب من كل ذلك ولا يواجهه؛ معتقداً أن دوره في العالم الافتراضي أهم بكثير من العالم الحقيقي الذي سوف يعود له خالي الوفاض ضعيف الحال عليل الواقع. لا ينفع أن نعلن الخطط ونصدح بالأمنيات ونعد أنفسنا ومن حولنا بالوعود الوردية ونحن نعيش حالة من الشتات وعدم التركيز. فهناك أولويات مهمٌ أن نصنفها ونضعها في مسارها الصحيح فلا ننشغل بما لا يسمن ولا يغني من جوع، فهناك الكثير من الأشياء والأحداث والعلاقات والأفكار في محيطنا لا يمكن أن تصنع لنا قيمة مضافة. إنسان التركيز يملك مشروعاً واضحا وأهدافا مكتوبة ورؤية دقيقة، يعرف قدراته وينمي علاقاته، لا يعرف الهزيمة أمام سواد الأيام ولا الاستسلام أمام عواصف الزمن. التركيز في ما تحت أيدينا ونستطيع فعله، أفضل ألف مرة من الشتات في مشاريع الآخرين وأطروحاتهم وأزماتهم التي يحاولون دوما أن نكون حطبها لتدوم. فكم في حياتنا من جدل بلا نتيجة ومن تحريض بلا طائل وأصوات تعلو لكن أفعالها لا تترجم أقوالها. هناك شخصيات وأفكار وعلاقات وأعمال تخرجنا من قوة التركيز إلى ضياع الشتات، ومن الفعل إلى ردة الفعل ومن صفاء الذهن إلى التشويش ومن القوة إلى الضعف ومن النصر إلى الهزيمة ومن خانة الإنجاز إلى خانة العجز. المختلفون وحدهم من يقررون ما يناسبهم وما لا يناسبهم، ولا يستسلمون لثقافة القطيع ومصير «مع الخيل يا شقراء!!» بل هم المتفردون والمميزون بكل تفاصيل حياتهم ومسار أعمالهم، فلهم نكهة خاصة ولذلك مسارهم مسار فلاح وترق وانجازات. في زمن الانفتاح الفضائي والانترنت وكثرة التواصل والتفاعل وضخامة المحتوى- نعي أهمية الفلترة اليومية للأفكار والأعمال، والتركيز الدقيق على ماذا أريد أنا، وليس ماذا يريدون هم. وصدقني هناك فرق كبير سيكون بين واقع ومستقبل إنسان التركيز وإنسان الشتات، وأنت من سيحكم.