لا تزال الضربات الجوية التي تقوم بها السعودية مع حلفائها ضد المليشيات الحوثية في اليمن قائمة على أشدها، وقد دخلت السعودية في هذه الحرب لا رغبة في الحروب والقلاقل، فالسعودية تتبع منهج السلم منذ تأسيسها، وترشح الحوار في كل الأحداث التي تمر بها، ولم تدخل في هذه الحرب إلا مكرهة بعد أن انسدت كل سبل الحوار، ولم يبق على استلام إيران لليمن إلا ساعات يسيطر فيها الحوثيون على عدن، وتهدم الشرعية في اليمن، وتصبح بؤرة فتنة تنفذ من خلالها إيران إلى المنطقة كلها، فكان تدخلها في اليمن شبيها جدا بتدخل قوات درع الجزيرة في "البحرين" في وقت باتت على كف عفريت، اقتربت منها إيران برضا وقبول أو إغضاء من الأميركان ومواقفهم المريبة. والحرب في اليمن ليست موجهة ضد الشعب اليمني، ولا هي مسهمة في خلخلة الوضع الاجتماعي، وإنما هي "مساعدة" للشعب اليمني للخروج من فتنة صنعتها قوى الشر في المنطقة التي تريد أن تضم اليمن إلى منظومتها الإيديولوجية المنبتة عن فكر الأمة وتاريخها وعقيدتها، وتحويل أرض الحكمة إلى خادم مطيع للملالي في طهران، ومتخذة من موقعها الجغرافي، ووضعها الاقتصادي وحاجة أهلها سبيلاً لتوسيع نفوذها في المنطقة كلها، الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به السعودية التي باتت معادلة صعبة في المنطقة، وقائدة لحلف عربي جديد يقف أمام أطماع إيران ونفوذها في المنطقة. إن على دول الخليج في هذا الوقت الذي تشن فيه غارات متتالية على الحوثيين في اليمن الذين يقومون بحرب الوكالة لإيران أن يستصحبوا معهم استراتيجية ضرورية ومهمة في اليمن لانتشالها من وضعها الراهن، ومساعدتها على أن تقف على أقدامها، فاليمن هي لك أو لأخيك أو لإيران، وهي أولى الدول دعما ومساعدة في بنيتها التحتية، وهي مخزن استراتيجي كبير في عمقها التاريخي، وموقعها الجغرافي وعديدها البشري ومشكلاتها الثقافية والقومية. وإننا حين نتعامل مع اليمن على أنه "عبء" فإننا لن نستطيع أن نسهم في حل معضلته أو المساهمة في انتشاله من حالته الراهنة، بل سيجعل مهمتنا فيه صعبة وغير ذات جدوى، ولكننا حين نقلب المعادلة لنجعل منه "فرصة"، وننظر إلى قيمته الحقيقية وكيف نحيل هذا العبء إلى قيمة مضافة لنا وله فإننا نضع أيدينا على العلاج، ونضع أقدامنا على الطريق الصحيح، ونرسم خارطة لجعل اليمن مشروعا خليجيا وعربيا بامتياز، وفرصة سانحة يستفيد منها أهل اليمن في المقام الأول، ويستفيد منها الخليج والعرب في المقام الثاني. ولو رجعنا إلى التاريخ التنموي للمملكة العربية السعودية سوف نجد حضور "الرجل اليمني" فيه بوضوح، بالرغم من قلة "الاحترافية" في الأداء إلا أن له أثر كبير وخاصة مع بدايات عصر التنمية والطفرة الاقتصادية التي بدأت في السعودية، وهذه من الميزات النسبية التي تتمتع بها اليمن، فالثروة البشرية محط أنظار العالم في كل مكان، وعليها يقوم سوق العمل والبنية التحتية لكل دولة، فإذا ما صادفت استراتيجية ناضجة في تأهيل المجتمع اليمني، والاستفادة من هذه الميزة في التأهيل والتدريب وفتح مجالات التصنيع، وتوفير الفرص، وجعلها مصدرا للعمالة المدربة والمؤهلة بدلا من الاستقدام من أقاصي الأرض، فإن هذا سوف ينعكس على الوضع الاقتصادي في اليمن مباشرة، وذلك من خلال توجه دول الخليج للعناية باليمن، وتعزيز التعليم فيها، وضخ الأموال للمشروعات التنموية، وفتح مراكز التدريب والتأهيل للشباب اليمني، والاستفادة من المواقع السياحية والتاريخية فيه، وغيرها من المشروعات التي تسهم في نقل اليمن من حالته الراهنة حتى يتعافى ويكون مصدر خير، بدلا من تحوله إلى بؤرة مشكلات وقلق للمنطقة كلها. ودخول اليمن في المنظومة الخليجية أمر محتوم، فإن كان أمرا ضروريا قبل الأحداث الأخيرة، فإنه الآن أصبح أشد ضرورة حتى يضمن الجميع بقاء اليمن في حاضنته الخليجية والعربية، وقطع الطريق على أصحاب المشروعات السياسية التي ترى في اليمن موطئ قدم لتحقيق فوائد كثيرة، ليس آخرها التنكيد على جارته الكبرى المملكة العربية السعودية. إن هذا كله لا يمكن أن يتحقق إلا بترتيب الوضع الداخلي لليمن من خلال تحقيق "عاصفة الحزم" لأهدافها السياسية والعسكرية، ومحاولة توحيد القوى السياسية في اليمن على مشروع وطني يسهم في بنائه الجميع، وقطع الطريق على كل المطامع الخارجية التي تحاول النيل من اليمن وجيرانه، واعتبار اليمن مشروعا خاصا للدول العربية والخليجية، والإشراف المباشر والتعاون المستمر مع الحكومة اليمنية في بناء استراتيجية واضحة لمستقبل اليمن.. أرض الإيمان والحكمة.