تزوّج أستاذ لغة عربية بفتاة لبنانية الأصل مولودة في الريو دي جانيرو. جرت العادة في الماضي أن يأتي شاب مهاجر إلى البلد الأم بحثًا «عن نصيبه»، فيأخذ «بنت الحلال» ويسافر بها إلى قارة من القارات. أستاذ اللغة حالة نادرة. سافر لكي يزور أبناء عمومته في الريو، فعاد متزوجًا ابنة عمّه التي سميت روزيتا على اسم جدتها وردة، وتُلفَظ «وردِه». ولم تكن وردِه، الجدّة، تشبه اسمها، على ما يروون، لكن روزيتا تشبه حديقة ورد من البرازيل. أين المشكلة؟ ليست مشكلة تمامًا. فالجمال إذا كان ورديًّا لا يعود في حاجة حقيقية إلى قواعد الإعراب. وصاحبنا، الذي كان يتكلم الفصحى حتى مع البقّال والنجّار والحلاّق، رأى نفسه مضطرًّا إلى تقليد الزوجة وما تعلمته عند أهلها من كلمات محدودة، تلفظ جميعها بالأحرف البرتغالية، منزوعًا منها الحاء والخاء والباء وطبعًا، عزيزته الأولى وأُمّ صنعته، الضاد. قال: غدا تتعلم من الأهل والصديقات والقريبات. ولم ينتبه إلى مسألة أساسية وهي أن اللبنانيين يهوون تقليد اللغات واللهجات. وكانوا في مجالسهم يتحدثون الفرنسية والإنجليزية. ومن لم يُسعفها الحظ بلغة لاتينية، لجأت إلى اللكنة المصرية المسموعة في الأفلام. وهكذا، صارت جميع القريبات يتحدثن مثل روزيتا التي من الريو. لقد اعتقدن أنهنّ ربما في ذلك عدوى من لون روزيتا. وصار يلاحظ أنه كلما زارتهما شقيقاته، يتحول البيت إلى مجمع مكسرات لغوية وكلام غير مفهوم. وبعض بنات شقيقاته طلبن تغيير أسمائهن إلى اسم «خالتي روزيتا». ولم يتوقف تأثير الضيفة البرازيلية عند اللغة، بل امتد إلى الطعام الذي اعتاد عليه. اختفت صحون الحمّص والتبولة وغاب الباذنجان. أما العاملة الآسيوية التي كانت تتحدث ثلاث جُمل في كل منها كلمة إنجليزية وكلمة عربية وهزَّتا رأس، أصبحت الآن تتحدث لغة واحدة هي الروزيتية. ولم تعد تهز رأسها، لا في النفي، ولا في الإيجاب، ولا بين بين. من ناحية، شعر الأستاذ بالفرح؛ لقد وُلدت في بيته وبسببه لغة جديدة، ربما غير مفهومة، لكنْ لها إيقاع جميل. لكنه شعر بالخطر على عمله وصنعته. صار كلما وقف أمام التلامذة شارحًا الأصمعي في نبرة خطابية، تذكّر أن روزيتا تسمي البطاطا «بتاتا»، إذ سمعته مرة يحكي على الهاتف نافيا لمُحاوره «قطعًا بتاتًا». وفهمت روزيتا أنه يتحدث عن «قطع بطاطا». وعندما يطلبه أحدهم ويسألها: «الأستاذ موجود؟»، تجيب: «ايه. هوي مش هون بس موجود». ولم يلبث للحدث السعيد أن أطل: طفل بلون روزيتا. أرادت أن تسميه مانويللو، على اسم شقيقها الأكبر. «ليس على ضرب عنقي» قالها الأستاذ بلغة فصحى، «والدي قحطان، وأنا أبو قحطان».