ما بين احتفالات إيرانية برفع العقوبات عن بلادهم والتقارب مع «الشيطان» الذي كان كبيرًا، وما بين تفاؤل حذر بين دول «5+1» وما إذا كانت طهران قادرة على كسب ثقة العالم قبل التوقيع النهائي على الاتفاق النووي نهاية يونيو (حزيران) المقبل، وفي ظل عدم وضوح ما إذا كانت بنود الاتفاق المعلنة هي ذاتها الموقعة، دون تفاصيل أخرى سرية تحت الطاولة، وبعيدًا عن الموافقة الإيرانية المفاجئة بقبولها نظام التفتيش الأكثر تدخلاً في التاريخ، بينما تسوّقه على أنه انتصار وليس هزيمة.. ما يهم دول الخليج فعلاً في خضم هذا كله، أن الاتفاق لا ينعكس سلبًا على أمنها ولا استقرارها، فالقلق الحقيقي أن تُمنع إيران من مشروعها النووي مقابل صفقة أخرى، وهو ما استشعره الرئيس باراك أوباما بدعوة قادة دول مجلس التعاون لقمة في كامب ديفيد، لطمأنتهم بأن هذا الاتفاق مع إيران لن يؤثر على التحالف التاريخي بين بلاده ودول الخليج. الأقوال سهلة المنال، أما الأفعال فتكشف زيف الأقوال، وحتى الآن لا يوجد على الأرض ما يشي بأن واشنطن عازمة على عدم تغيير استراتيجيتها في المنطقة، السياسة الأميركية تتعاطى بشيء من التناقض عندما تتعلق المسألة بتحالفها مع دول الخليج، ولولا موقفها الإيجابي من التحالف الدولي لعاصفة الحزم وانضمامها له بقوة، لكانت كل قراراتها الكبرى في السنوات الأخيرة تعاكس مواقف دول الخليج وتصب في مصلحة طهران، بدءًا من تقاعسها مع الثورة السورية مرورًا بموقفها المفاجئ في البحرين التي كادت تبتلعها إيران لولا الموقف القوي لدول الخليج، وانتهاءً من سماحها لإيران بالتدخل وبشكل طائفي في العراق ضد السنة. معذورة الدول الخليجية من الحذر والترقب لما سيسفر عنه التقارب الغربي الإيراني، فتاريخ طهران ملطخ بالمؤامرات والطعن في جيرانها دول الخليج. مخطئ من يظن أن الدول الخليجية راغبة في التصعيد الخطير مع إيران، فسواء رضي الخليجيون أم غضبوا فهي جارة لهم ولا يفصلهم عنها إلا الخليج العربي، وكم هي أمنية جميلة، لو كانت هناك قدرة على اختيار الجيران، لاختار الخليجيون النرويج أو فنلندا جارة لهم على الضفة الأخرى من الخليج، ولكن هذا ما كتبه الله لهم جغرافيًا. إيران قدر وواقع يحتم على الجميع التعامل معه. وحتى الاتفاق النووي، دول الخليج ستؤيده وتدعمه وليس من صالحها استمرار العقوبات على إيران، طالما أن الاتفاق لا يأتي على حساب مصالحها واستقرارها، المهم: هل إيران تتعامل بنفس المنطق مع جيرانها؟ كل طالب علوم سياسية يعلم أن الإجابة للأسف: لا. كامب ديفيد الخليجية المقبلة لم يوضح الرئيس أوباما أجندتها، حتى يمكن لدول الخليج أن تعرف ما إذا كانت ستكتفي بالأقوال أم أنها ستخرج بأفعال وضمانات لا تخضع للتأويل. المتوقع أن أوباما سيسعى لاستكمال اتفاقه النووي بإقناع الخليجيين لمراجعة موقفهم ضد إيران، والتحول من التعامل معها كخصم دائم، نحو استيعابها ضمن منظومة الدول الرئيسية في المنطقة، والمعقد في الموضوع أن الإدارة الأميركية تريد أن تخرج باتفاق «تاريخي» مع إيران، وفي الوقت نفسه تبقي على نفس تحالفها «التاريخي» مع دول الخليج، كمن يريد أن يبني قصرًا من الرمال ويقنع الآخرين بالسكن فيه. الحقيقة والمنطق والواقع والتاريخ يؤكد أن الإمساك بالتفاحتين من الاستحالة أن يتم، لكن من يقنع السيد أوباما؟! إيران من دون إعطائها دورًا إقليميًا تعيث في المنطقة تدخلاً وإرهابًا وطائفية، فكيف لو أعطيت دورًا تحلم به، عندها فلنقل على منطقتنا السلام، وسلام على دول الغرب لو وافقت، ضمنًا، على ذلك.