انشغل الرأي العام الروسي بمغامرة النائبين في مجلس الدوما الروسي ألكسندر سيدياكين وأوليغ سافتشينكو حين قررا كسر الروتين والخروج من أجواء الاجتماعات والنقاشات وجلسات البرلمان والتوجه إلى القطب الجنوبي، ولم يكتفيا بذلك بل قررا الصعود إلى أعلى نقطة فيه وهي قمة فينسون، وغرسا العلم الروسي عليها. النائبان اللذان اعتادا على حياة المدينة الميسرة وجدا نفسيهما في مواجهة وجها لوجه مع ظروف الطبيعة القاسية، حيث الرياح العاتية والمسافات الطويلة والحرارة التي تدنت أحيانا إلى 45 درجة مئوية تحت الصفر، بعيدا عن كل مظاهر الحضارة، لكن هذا كله لم يمنعهما من تحقيق الهدف وقهر قمة فينسون التي تقع على ارتفاع 4892 مترا عن سطح البحر. وكان النائبان قد وصلا إلى جبال الأنديز في أميركا اللاتينية وأقلعا من هناك إلى القطب الجنوبي حسب الخطة، وكانت رحلة الصعود شاقة، فقد احتمل سافتشينكو آلامه جراء إصابته بمثقاب الثلج وأصر على متابعة الرحلة رغم صعوبة الحركة، كما أدت الأحوال الجوية السيئة إلى انقطاع الاتصالات، مما أثار شكوكا بتعرضهما لمكروه. انتهاك للقانون هذه المغامرة تبدو للوهلة الأولى عملا بطوليا يستحق المديح والثناء، خاصة أنها رحلة محفوفة بالكثير من المخاطر، وتعبر عن مشاعر الرجولة والوطنية، إلا أن النائبين فوجئا بالضجة التي أحدثتها الرحلة في وسائل الإعلام والاتهامات بانتهاك القانون الروسي بعدم الالتزام بالإجراءات الأمنية والقانونية اللازمة قبل القيام بها. فوفقا للإجراءات القانونية الخاصة على المسؤولين الذين يملكون الاطلاع على الوثائق الحكومية السرية أن يخطروا مسؤوليهم مسبقا في حال سفرهم للخارج أو قيامهم بأي اتصال مع جهة أجنبية، وهي إجراءات تسري على المسؤولين في إدارة الرئيس والحكومة والبرلمان. ذلك أن النائبين سافرا ضمن بعثة نظمتها شركة سياحة أميركية، ولم يطلعا إدارة البرلمان بنيتهما السفر، ولم يحصلا على موافقة من الهيئة الفدرالية للأرصاد الجوية ومراقبة البيئة الروسية، وعليهما تقديم إيضاحات أمام اللجنة القانونية في مجلس الدوما. وردا على هذه الاتهامات يقول النائب سافتشينكو نحن فعلنا ما يفعله الجميع، فالسياح يأتون لهذا المكان من جميع أنحاء العالم -بما في ذلك من روسيا- ضمن رحلات سياحية ولا يمنعهم من ذلك أحد. وقال في حديثه للجزيرة نت في ما يتعلق بالاتهامات المتعلقة بأسرار الدولة فهذه مبالغات لا أساس لها، وسنواصل استكشاف الجبال والمحيطات والصحارى. وأضاف نحن كنواب يجب أن نكون قدوة للآخرين، وأن نثبت أننا نستطيع القيام بأعمال متميزة ليس بالكلمات فحسب، بل بالأفعال. أما النائب سيدياكين فقد دافع عن الرحلة في تعليق للجزيرة نت قائلا يجب تقديم الدعم لكل من يقوم بأعمال هادفة لرفع سمعة روسيا، وفي ذلك المكان البعيد هناك أشياء كثيرة تستحق البحث والاستكشاف وينبغي علينا ان نبدأ بذلك في أقرب وقت ممكن، وإلا فستقوم بذلك دول أخرى. أهداف استخبارية يقول المتسلق والخبير في الرياضات الخطرة وما يرافقها من إجراءات قانونية وتنظيمية ألكسندر بانوف إن الكثير من السياح والمتسلقين وعشاق المغامرات يقصدون القطب الجنوبي، ولا شك في أن مبادرة النائبين تحمل رسالة إيجابية للجيل القادم من الشباب، لكن على الرغم من ذلك كان من الأفضل أن تكون رحلتهما ضمن مجموعات شبابية مع استكمال جميع الإجراءات القانونية. وأضاف في حديثه للجزيرة نت كان على النائبين أن يدركا أنهما شخصيتان بارزتان، وذهابهما إلى القطب الجنوبي يثير الاهتمام داخليا وخارجيا، كما أن غرس العلم الروسي قد يساء تفسيره، ولا سيما أن هذه المنطقة محايدة تحكمها اتفاقيات دولية تحرم القيام بأي أنشطة ذات طبيعة سياسية أو عسكرية. أما الجنرال المتقاعد في هيئة الأمن الفدرالية فاليري فيليتشكو فقد علق على هذه القضية لوسائل إعلام روسية قائلا إنه من الضروري تشديد إجراءات سفر بعض المسؤولين، لأنهم يملكون الاطلاع على الوثائق السرية، ويشكلون أهدافا محببة لأجهزة الاستخبارات الأجنبية، ومن حق أي دولة أن تتخذ إجراءات احترازية لحماية أمنها، ولا أحد في العالم يعتبر ذلك انتهاكا للديمقراطية والحريات.