الحُرّث (الحدود السعودية اليمنية): محمد العايض قد يكون المشهد غريبا نوعا ما عندما تجد فردا يطلق عبارات الثناء على دوي أصوات المدافع وطلقات الرصاص، كون الطبيعي أن يكون التوجس أو القلق سيد الموقف في لحظات مثل تلك. بيد أن الوضع على الحدود السعودية اليمنية، والتي تدور على أرجائها عملية «عاصفة الحزم» ضد المتمردين الحوثيين، مختلف وله ظروفه الخاصة به، فالتجهيزات العسكرية على الحدود الجنوبية كانت واضحة للعيان، وهي ترسل رسالة بأنها في حاله يقظة لأي تحرك تقوده جماعات الحوثي تجاه الحدود السعودية، وأنها سترد بكل حزم تجاه أي عدوان على الأراضي السعودية. «الشرق الأوسط» حرصت خلال جولتها الميدانية في الحد الجنوبي على الشريط الحدودي ما بين السعودية واليمن على أخذ آراء السكان، كونهم المحك الرئيسي في مثل هذه المواقف، بل إن الدوافع الرئيسية لقيام الحرب قامت على أساس الدفاع عن حقوق تتعلق بالسكان. كانت أغلب الآراء التي رصدتها «الشرق الأوسط» من سكان الحدود الجنوبية، سواء من المواطنين السعوديين أو المقيمين الأجانب لا سيما اليمنيين منهم، تدور حول الحرب على الحوثيين في الأولى، والتي قامت بها القوات السعودية ضد العدوان الحوثي؛ وربما أن السبب في ذلك يعود للاحتقان الذي يحمله السكان تجاه الفكر الحوثي الذي يعتمد على تنفيذ الأجندات الخارجية حتى لو كان بالاعتداء على حقوق الغير، كما يصف أحمد العروي أحد المقيمين اليمنيين في محافظة الحُرّث الحدودية. طلقات رصاص التقطت عدسة «الشرق الأوسط» عددا من المباني السكانية وكذلك المباني الحكومية والمدارس في محافظة الخوبة، وتبدو عليها آثار طلقات الرصاص من قبل الحوثيين منذ اعتدائهم عام 2009، قبل أن ترد عليهم القوات السعودية في مهمة دفاع وطنية تُوجت بإلحاق الخسارة بالمتمردين. يعلق على المشاهد المواطن السعودي عبد الله عريشي، الذي كان بمثابة الدليل لـ«الشرق الأوسط» في مهمتها الميدانية على الشريط الحدودي، ويقول «نحن كمواطنين سعوديين ننعم بخير بلدنا ودعم قادتنا ولله الحمد، ولسنا مشغولين بغيرنا سواء من الحوثيين أو خلافهم، بل إننا نتمنى الخير لأشقائنا في دول الجوار ومنها اليمن كما هو ديدن دولتنا». ويواصل عريشي الحديث ويبدو عليه الاحتقان «لكن عندما تشاهد الآن بعض البيوت والمدارس وعليها آثار طلق ناري، يصيبك القهر من هؤلاء المعتدين، وأعني الحوثيين الذين لم يقدروا حسن الجوار كما حصل عام 2009، ولولا الله ثم قوة بلدنا وحكامها وبسالة الجنود السعوديين لواصل المتمردون طغيانهم». ويضيف «في الحرب على الحوثيين 2009 كان قادة بلدنا يتعاملون بحكمة وبصيرة، وردعوا الحوثي المبتغي، وها هم الآن يعطونهم درسا آخر بدعم عربي وعالمي، ونحن مطمئنون ونثق كثيرا في جنودنا البواسل في مواصلة الدفاع عن تراب هذا الوطن كما فعلوا سابقا». التدخل في الوقت المناسب من جهته، يقول المقيم اليمني أحمد العروي، أحد العاملين في محطة بترول، في تعليقه على الأحداث الجارية «بلا شك أنا أحب اليمن، لأنه وطني وهذا جانب طبيعي، لكنني في المقابل أخذت من خيرات بلدي الثاني المملكة العربية السعودية التي يمتد خيرها إلى كثير من أنحاء العالم، لا سيما اليمن واليمنيين، والتاريخ يشهد على كثير من مواقف الدعم التي أبدتها السعودية وحكامها تجاه اليمن، لكن ما يقوم به الحوثيون أمر دنيء، ولا يقبله لا عقل ولا منطق ولا حتى ملة إن كانوا هم ينطلقون من مبادئ عقائدية، فاليمن للجميع، ومن أراد الحكم فنحن نرحب به أيا كان، ولكن يجب أن يأخذه بالنظام أولا ومن ثم بتأييد داخلي وليس خارجيا كما يفعل الحوثيون الذين يستندون على إيران». ويشدد العروي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» على أنهم محظوظون كيمنيين على وجود جارة لهم في مكانة وقوة المملكة العربية السعودية التي «وقفت بجوارنا وتحمينا لإقامة العدل داخل بلدنا، بعد أن عانينا كشعب يمني في السنوات الأخيرة، في محاولات لإقامة النظام داخل بلدنا، لكن الحوثي ومن يساندونه من رجال صالح والإيرانيين يرفضون ذلك، فكان تدخل السعودية ودول التحالف، وبعد طلب من الرئيس الشرعي عبد ربه هادي منصور، بمثابة الرحمة لنا من الله، وإلا لانجرفنا إلى تيار لا ندري إلى أين سيبحر بنا. وأقولها من القلب: شكرا لكل السعوديين قيادة وشعبا على مواقفهم الكبيرة مع اليمن واليمنيين». كرة قدم مشاهد ممارسة بعض الشباب لكرة القدم في أحد الملاعب الترابية في محافظة الحُرّث الحدودية كان لافتا، ويتبادل الكرة الشبان ريان علي أحمد، وطيب علي هزازي، وعبد الله علي، وخليل مهدي، بالإضافة إلى حمزة هزازي، والذين أشاروا إلى أن الأمور مطمئنة بالنسبة لهم. ويرى علي هزازي، أحد سكان المنطقة، أن ممارسة الشبان للكرة في هذه الأجواء «أمر طبيعي بالنسبة لنا كوننا أخذنا خبرة كافية من الحرب على الحوثيين السابقة في 2009، وهؤلاء الشباب يعبرون عن المشاعر التي بداخل السكان هنا سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، فالكل مطمئن أن خلفه حكاما ودولة لا ترضى بالضيم سواء لشعبها أو للشعوب المجاورة». ويستدرك هزازي «حتى أكون منطقيا نحن لا نرغب في الحرب، ولا نتمناها سواء لنا أو لغيرنا، والأمن يقدم على الغذاء في بعض المواقف، لكن في وضع مثل الذي نعيشه الآن كان قرار الرد على تمرد الحوثيين صائبا، فنحن من أبناء هذه المنطقة الحدودية ونعرف أوضاع أشقائنا في اليمن تمام المعرفة، ولو استمر الوضع كما كانوا سائرين عليه لحصلت كارثة على اليمن واليمنيين، وأتذكر خلال الأشهر الماضية عندما نلتقي بعدد من أشقائنا اليمنيين سواء من القادمين حديثا من اليمن أو المقيمين معنا هنا، فإننا نسمع منهم كثيرا من القصص المروعة تدور أبرز محاورها حول مخطط إيراني للدفع بالحوثيين للسيطرة على اليمن بأي ثمن كان، حتى ولو بالاعتداء على حقوق الأبرياء من اليمنيين». ويردف «كانوا بين فترة وأخرى يتمنون أن تتدخل حكومتنا في وضع حد لما يحدث لديهم، وهو ما حصل ونشكر الله عليه، فدولتنا لا تبادر بالاعتداء على الغير، ولكن عندما يحاول البعض المساس بأمن بلدنا فهذا خط أحمر كما يقال، كما أن الحرب على الحوثيين هي نصرة لإخواننا اليمنيين الذي طالبوا بذلك شعبيا ثم أكدوا ذلك رسميا بطلب من الرئيس هادي». لا نزوح من المناطق الحدودية أما عبد الله الحارثي، الذي صادفناه في أحد مواقع غسيل السيارات، فعبر بجملة واحدة عن مسألة نزوحهم من الحدود بسبب عملية «عاصفة الحزم»، وقال «لا نزوح في ظل كفاءة القوات الجوية للتحالف». دعم للنازحين وحرصت الحكومة السعودية على أمن وطمأنينة السكان من مواطنين ومقيمين، منذ عام 2009، حين اعتدى الحوثيون على الحدود السعودية، ووجهت المسؤولين إلى إخلاء بعض المواقع السكنية على المواقع الحدودية، وإجلاء ساكنيها إلى مواقع أخرى حماية لأرواحهم من الاعتداءات الحوثية. وأمر حينها الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز ببناء وحدات سكنية، في مواقع آمنة وتبعد مسافة كافية عن الحدود مع اليمن، وتعويض السكان. ويعلق على ذلك حسين فقيهي، أحد سكان المناطق الحدودية «أشكر الله على أنني من هذا البلد المعطاء المملكة العربية السعودية، فنحن نعرف، وغيرنا يدرك أيضا، أننا نعيش في نعمة يفتقدها الكثير من حولنا، وحكامنا حريصون على الاطمئنان على أحوالنا؛ ولكوننا في حرب ضد الإرهاب الذي يمثله الحوثيون كان الاهتمام متواصلا من قبل قادتنا بدءا من الدعم الذي وجدناه من مليكنا الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز (غفر الله له)، الذي عايش معنا الحرب الأولى ضد الاعتداء الحوثي 2009، والأمر متواصل مع قائدنا الحالي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله». ويواصل فقيهي «أقولها بصدق، ربما لو لم أكن سعوديا وأعيش في بلدي باطمئنان، لما استطعت الحديث إليكم ونحن نستمع لأصوات المدافع بين الحين والآخر، ولكن الله قيض لهذا البلد قادة نذروا أنفسهم لخدمة الحرمين الشريفين، والاطمئنان على رعيتهم، هل رأيتم دوريات أمنية تسير في الجبال العالية غير بلادنا؟ فكيف لا أكون مطمئنا وواثقا». ويختتم «هذه جوانب تفتقد لها الكثير من الشعوب، بداية بأشقائنا اليمنيين الذين نشعر بمأساتهم».