توافَقَ قادة عرب على إنشاء قوة عربية مشتركة، لمواجهة التحديات وصيانة الأمن القومي العربي. وسيجتمع رؤساء أركان القوات المسلحة في الدول الأعضاء، لدرس كل الجوانب المتعلقة بإنشاء القوة المشتركة وتشكيلها. ما هي ملامح هذه القوة، وما هو دورها، ومَا هي الدول الفاعلة فيها؟ هل هي قوة تدخُّل سريع تنتهي بانتهاء المهمة، أم ستكون قوة دائمة لحماية الأمن العربي من أي تدخل؟ وهل ستقتصر على دول التحالف العربي في عملية «عاصفة الحزم» أم تشمل دولاً أخرى؟ واضح أن مشروع القوة العربية المشتركة جاء استجابة لظروف الحرب في اليمن. وهو ربما انتهى بنهاية هذه الحرب. دول عربية فاعلة ومهمة خارج هذا المشروع، أبرزها سورية والعراق والجزائر، فضلاً عن أن هناك مَنْ يرى أن هذه القوة ليست في مصلحته. وقراءة التباين بين موقفَيْ رئيس وزراء لبنان تمّام سلام، ووزير خارجيته جبران باسيل من هذه القوة، تشير بوضوح إلى أن إنشاء قوة عربية مشتركة، يكبر دورها ويتطور مع الوقت، بات من أحلام الماضي. وما ينطبق على لبنان ينطبق على العراق، ودول أخرى عربية. بعض العرب يرى الحرب في اليمن دعماً للشرعية، ودفاعاً عن الأمن القومي العربي، وآخر يصف هذه الحرب بأنها «عدوان على اليمن وشعبه». التباين بين مواقف الأنظمة العربية وتوجهاتها اليوم أشدّ منه حال صدور معاهدة الدفاع العربي المشترك التي أُقِرَّت في 1950، وكان هدفها مواجهة إسرائيل، وهو هدف أبطل مفعوله مشروع السلام العربي - الإسرائيلي. وهذا يعني أن القوة العربية المشتركة، إن تحققت، لن تكون تحت مظلة جامعة الدول العربية، ناهيك عن أن الجامعة، ربما تغيَّر اسمها ودورها في المستقبل لتصبح «جامعة دول الشرق الأوسط». نحن إذاً أمام مشروعٍ لا علاقة له بأدبيات الجامعة العربية القديمة. وسيكون، على الأرجح، قوة دفاعية، وتدخُّل سريع، يلبِّيان سياسات دول عربية، وليس الدول العربية. القضية ليست في حجم هذه القوة، وتحديد قائدها ومكانها. المهم هو أفقها السياسي، ونوعية التهديد الذي ستواجهه. بعض الدول يرى في إيران تهديداً لأمنه القومي، وآخر يرى العكس. والخلاف بين الدول العربية في قضية الإرهاب شائك ومعقّد. فالإرهاب الذي تواجهه مصر، مثلاً، هناك من يرى أنه ليس إرهاباً. والقياس على حرب اليمن قد لا يكون متاحاً في حالات أخرى. لذلك، فإن هذا المشروع يواجه تعقيدات سياسية، تحول دون إدراجه ضمن قائمة ما يسمى «العمل العربي المشترك»، فضلاً عن أن مصالح الدول الكبرى في المنطقة، ووجود إسرائيل، لن تسمح بالتفكير بوجود قوة تعاود توحيد القرار العربي على نحو يهدِّد مصالح هذه الدول. هل يعني كل ذلك أن القوة العربية المشتركة مجرد حلم صعب المنال؟ بالتأكيد لا، وما لا يُدرَك كلُّه لا يُترَك جُلُّه. والحرب في اليمن قدَّمت نموذجاً لملامح هذه القوة، المطروحة للبحث، وأهدافها. و «عاصفة الحزم» يمكن أن تكون نواة لمحور قوة بين القاهرة والرياض، إضافة إلى دول الخليج، وترك الباب مفتوحاً لدول أخرى، لكن هذه الخطوة لن ترى النور تحت مظلة الجامعة العربية. لا شك في أن العلاقة بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي باتت في حاجة إلى مشروع يكرِّس ديمومتها، ويعبِّد طريقاً واضحاً لتنفيذ استراتيجية «مسافة السكة»، ويعاود تكرار تحالف «عاصفة الحزم». الأكيد أن القوة المشتركة، المنتظرة، بين مصر ودول مجلس التعاون في حاجة إلى رؤية سياسية، قبل التفكير بتشكيلها العسكري. فالقوة العسكرية بلا استراتيجية سياسية طويلة الأمد، لن تكون مفيدة، مهما عظمت هذه القوة وكَبُر حجمها.