«عاصفة الحزم» ... هل هي عملية عسكرية أم عمل سياسي؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يتعمّق فيه من يريد أن يفهم حكاية التحرك السعودي المفاجئ والمبهر للعالم أجمع منذ انطلاق العمليات العسكرية، فجر الخميس الماضي، ضد الانقلاب الحوثي في اليمن، الذي تمدد وتجهبذ في جهات اليمن الأربع حتى بات مهدداً حقيقياً لدول الجوار. لن أقول إن السعودية تأخرت، ولكن صبرت وتريّثت متذرعة بسياسة النفَس الطويل كعادتها دوماً، حتى أصبح السكوت على تفرعن الحوثيين أمراً لا يطاق، فكان «الحزم» هو الحل. «عاصفة الحزم» ترمي إلى تحقيق أهداف مباشرة وأخرى غير مباشرة. فهي إضافة إلى هدفها الأساسي في لجم الميليشيات الحوثية وتعريتها وتشتيتها، فقد استطاعت أن تحقق «الاتحاد الخليجي» الذي دعا إليه الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز. تَحقّق الاتحاد الخليجي في السماء قبل أن يتحقق على الأرض! في الحقيقة أن المملكة العربية السعودية لم تصنع بـ «عاصفة الحزم» تحالفاً خليجياً فقط أو عربياً فقط بل صنعت تحالفاً إسلامياً لمواجهة مختطفي الإسلام ومشوّهيه. وهو تحالف يتشكل لأول مرة بهذا الحجم وهذا التنوع، ما يشي بحجم الغضب الذي بلغته هذه الدول المتحالفة تجاه عبثيات وكلاء إيران في المنطقة. لكن بالعودة إلى السؤال أعلاه، كيف نستطيع أن نميّز إن كانت هذه العاصفة عسكرية فقط أم أنها سياسية قبل وبعد عسكرتها؟ الإجابة نجدها في التحركات السياسية السعودية التي بدت في الأيام التالية مباشرة لانطلاق العمليات العسكرية. وأبرزها بالطبع مضامين المشاركة في القمة العربية بشرم الشيخ، التي جاءت في توقيتٍ ملائم جداً للقيادة السعودية كي تقرأ أمام الزعماء العرب وأمام العالم المراقب خطاباً سعودياً ينمّ عن سياسة جديدة لا ترمي إلى خلط الأوراق العربية بل إلى إعادة ترتيبها من جديد. تجلّى الخطاب السياسي، لا العسكري، الجديد للمملكة العربية السعودية في كلمة الملك سلمان بن عبدالعزيز الواضحة والصريحة بما فيه الكفاية عن ملفات المنطقة، ثم في التعقيب الصارم من وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل على رسالة الرئيس الروسي بوتين إلى القمة. الخطاب السعودي الجديد لم يروّج له السعوديون فقط، بل ساند هذه المهمة معلّقون غير سعوديين، وغير سعيدين، أبدوا تذمّرهم وأحياناً تخوفهم من هذه النبرة السعودية غير المعهودة، وذلك مثل تعليق رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جون ماكين الذي أظهر قلقاً مصحوباً بالتفهم للتحرك السعودي غير المبرمج على الترددات الأميركية. وكذلك الخطاب التلفزيوني «المتعجّل» عن العاصفة من لدن أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي قام الإعلامي اللبناني نديم قطيش بمهارة عالية بتفكيك خطابه المفخخ بالأساطير وإلغاء مفعوله، ثم أجهز الزميل خالد الدخيّل في مقالته الأخيرة في هذه الصفحة على ذلك الخطاب الحزبي المتناقض والمترنح. هذا العنفوان السعودي المبهج يقرأه البعض بقلق وتوجس ألا يتكرر معه سيناريو صدام حسين في العراق، بعد مواجهته القوية لإيران، ثم ما جرى للعراق بعد ذلك. إذ يخشى القلقون من أن الإفراط في نشوة الزهو بـ «عاصفة الحزم» قد يتغلغل في خطابنا الإعلامي الرسمي أو الشعبي بأننا سننقذ اليمن وسنوحّد الخليج وسنمتلك قنبلة نووية وسنحجّم إيران و و و...، ثم تتكالب علينا قوى الشر «الخيّرة» بحجة تهديدنا الأمن الإقليمي، فيفعلون بنا ما فعلوه بعراق صدام! تزايَد هذا القلق خصوصاً بعد العنوان المثير للجدل وللعجب، الذي وضعته محطة «سي إن إن» الأميركية عن الحوار الذي أجرته مع السفير السعودي لدى الولايات المتحدة عند سؤالها له عن وجود نوايا سعودية لامتلاك قنبلة نووية، وعلى رغم أن السفير عادل الجبير كان هادئاً وحاذقاً في إجابته على السؤال غير البريء، خصوصاً في توقيته، إلا أن المحطة لم تتردد في استخدام (اللاإجابة) في عنوانها البارز! الحكمة السعودية العميقة والمتوارثة منذ التأسيس ليست بحاجة إلى من يعِظها بأن لا تقع في الفخ الذي وقع فيه صدام، فالنظام الملكي العريق والمتين لا يبحث عن بطولات وأمجاد فردية طارئة على مؤسسة الحكم الرصين. كما أن الطبيعة الجيوستراتيجية للدولة المحورية دينياً واقتصادياً تجعلها في مأمن، بإذن الله، وفي غنى عن خوض مغامرات تُسيل لعاب المتربّصين بها في الغرب والشرق. هذا التعقّل المتوارَث لا يلغي حق المملكة العربية السعودية في أن تزهو بجيشها وأن تحمي حدودها وأن تحافظ على هيبتها. حماية الحدود تتطلب قوة عسكرية موزونة، بينما يحتاج الحفاظ على الهيبة قوة سياسية متوازنة. المؤكد أن: «عاصفة الحزم» ... ليست مجرد معركة. * كاتب سعودي Twitter@ziadaldrees