إبراهيم الحجري-الدار البيضاء شهدت القاعة السينمائية لانكس بالدار البيضاء عرض فيلم مطول للمخرج المغربي مراد الخودي موسوم بـفورماطاج (كلمة فرنسية تعني مسح الذاكرة)، وهو يدين تجاوز سلطة رجال الزوايا وعائلات الشرفاء لسلطة القانون. ويتميز الفيلم -بحسب المتتبعين- بكونه يعالج ظاهرة اجتماعية عويصة في المجتمع المغربي باتت في عداد التابوهات المنسية، وهي ظاهرة استغلال المرضى النفسيين المنسيين في أضرحة وخلوات أشبه ما تكون بالسجون. كوميديا سوداء يروي فيلم فورمطاج قصة امرأة متزوجة اسمها ريحانة تسعى لمغالبة مشكلة فقدان ذاكرة زوجها رمزي العائد لتوه من مارستان بويا عمر التقليدي، عبر شحن ذاكرته بمجموعة من المعطيات التي تكيفه مع الوضع الجديد وتعيد له هويته الذاكرية، لكنها تفشل في ذلك بسبب مقاومة شخصية رمزي الرافضة للتفاعل مع السياق الجديد. وعلى حين غرة، تقتحم شخصية ضابط المخابرات فاضل دائرة الأحداث، فيخبر الزوج رمزي بأن ريحانة ليست زوجته، وما هي إلا مدعية تستغل ذاكرته الممسوحة تنفيذا لخطة شيطانية مدبرة مع سبق الإصرار والترصد لصنع زوج على المقاس، بعيدا عن الهوية الأصلية لنزيل ضريح بويا عمر للاستشفاء التقليدي من مرضه النفسي، وأن اسمه الحقيقي رضوان. جاءت الحقيقة المفاجئة ضد مجريات الأحداث، لتضع الزوج رمزي أمام معطيات جديدة، فراح يقتفي أثر العلامات التي تؤكد زعم ضابط المخابرات، باحثا عن دلائل تبرز الوجه الآخر لريحانة. وهذا في الوقت الذي تظل فيه ريحانة الزوجة تنافح عن حقيقة كونه زوجها، وأن ما جاء به الضابط مجرد افتراءات واهية. ويظل رمزي في إطار هذه الازدواجية التي تغلف الحقائق موزعا بين معطيين متعارضين، ومعه متلقي الفيلم، إذ يظل التشويق والغموض متلازمين إلى نهاية الفيلم، حيث يحل اللغز. تقنيات مختلفة ويذهب الناقد السينمائي عز الدين بوركة إلى أن الفيلم ينتقل من الكوميديا السوداء إلى الواقعية المتمثلة في اشتغاله على مادة حكائية معروفة لدى العامة والخاصة، ويتعلق الأمر بالظاهرة التي تعرفها كثير من الأضرحة بالمغرب مثل بويا عمار وبويا رحال وسيدي مسعود بن حسين المشهورة باستقطاب الحمقى والمرضى النفسيين، إلى فانتازيا تسرع وتيرة الأحداث وتخلخل بنيات الحكاية عبر تقنية الفلاش باك الحكائية التصويرية، مضيفا أن أحداث الفيلم تتحول بالمتلقي من سرد الحاضر إلى استدعاء الماضي. ويستطرد الناقد نفسه بكون الفيلم وظف تقنيات سينمائية متطورة -على غرار الأعمال العالمية- مثل التصوير بالتقريب والتصوير البانورامي للمشاهد والممثلين بتقنية الجودة العالية، مما جعل عملية التلقي في غاية التفاعل. ومن جهته، يذهب مراد الخودي -مخرج وكاتب سيناريو فيلم فورماطاج- إلى أن المادة الحكائية للفيلم مقتبسة عن قصة واقعية رائجة في منطقة تدعى بويا عمر، حيث تتجاوز سلطة رجال الزوايا وعائلات الشرفاء سلطة القانون، وهي الرسالة التي يركز الفيلم على تمريرها بأسلوب مغاير لما هو سائد في التقاليد السينمائية المغربية. وأضاف الخودي أن الوقت قد حان لكسر تابوهات الزوايا التي يحج إليها الكثير من المرضى النفسيين والمصابين بالمس أملا في الشفاء، ليجدوا أنفسهم عرضة لكل أنواع التعذيب والاستغلال الجنسي في غياب أدنى الشروط الإنسانية والحقوق الآدمية لدرجة التسليع التي تطول العديد منهم، في ظل انعدام النصوص القانونية وغياب التدخل من السلطات المعنية، أو حتى رعاية الأهل والأقارب، حيث يجد المريض نفسه مدفونا في هذه السجون القهرية لسنوات طويلة، ومعزولا عن العالم الخارجي ليصبح في عداد المنسيين إلى الأبد. والجدير بالذكر أن فيلم فورماطاج حصد عدة جوائز بينها جائزة أحسن مخرج بالمهرجان الدولي للسينما والسمعي البصري فيستي كاب ببوروندي، وجائزة أحسن دور نسائي في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.