أجبرت عاصفة الحزم العديد من مراكز البحث والخبراء على إعادة دراسة العلاقات الإستراتيجية بين التحالف العربي الذي يُصاغ بأسس جديدة علمية تعتمد على استقلالية القرار العربي والاعتماد على النفس، وعلاقة هذا التحول على بناء علاقات واضحة تسعى لتحقيق المصالح العربية العليا دون المس بمصالح الآخرين المشروعة. ولعل أولى النتائج الذي خرج بها الباحثون وخبراء الإستراتيجية، أن عاصفة الحزم تعد ضرورة إستراتيجية فرضتها العديد من الدوافع والتحركات التي تشهدها المنطقة، إضافة إلى خطورة ما يفعله النظام الإيراني، إلا أن الذي سرَّع التحرك السعودي، والذي اعتمد المثابرة وصياغة تحالف عربي جاد دون ضجيج أو صخب، بعد أن لمست الرياض وباقي العواصم الخليجية والعديد من العواصم العربية، هي الاستهتار الإمريكي وتجاهله تماماً لهواجس العرب وبالذات السعوديين والخليجيين. ومبدأ الاعتماد على الذات ومواجهة التوغل الإيراني ومواجهة القوى الدولية والإقليمية التي تقضم المصالح العربية، هو ما اعتمده القادة العرب الأكثر معايشة للهموم العربية لتحرير القرار العربي من أي مشاركة أو هيمنة، بعد سلسلة من التراجعات وبالذات الأمريكية والغربية التي أطالت الأزمة السورية، فواشنطن والعواصم الغربية لم تكن جادة في مواجهة نظام بشار الأسد، وفضلت المشاركة مع أذرع إيران العسكرية من مليشيات طائفية في العراق، حتى أن واشنطن لم تمانع في استعمال هذه المليشيات الأسلحة الأمريكية الثقيلة التي زودت بها أمريكا الجيش العراقي، ولم تحتج واشنطن على ذلك الاستعمال إلا بعد ظهور صور للدبابات الأمريكية يقودها مقاتلون من تلك المليشيات ومنهم أفراد من الحرس الثوري الإيراني في وسائل الإعلام الأمريكية، وهو ما سيثير غضب الأمريكيين وبالذات الجمهوريين مما فرض على الإدارة الأمريكية إعلان معارضتها للحكومة العراقية. هذا الميل بل وحتى التعاون مع النظام الإيراني وإن لم تُعلن، دفع ملالي إيران إلى الغرور أكثر، وإلى التمرد على كثير من الثوابت في المنطقة والذي إزداد أكثر بعد تودد أوباما كثيراً واستقتاله على إبرام اتفاق نووي عبر صفقة ثنائية تخوف العديد من المراقبين والدوائر السياسية العربية من أنها ستتم على حساب المصالح العربية وتعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة بغض النظر عن أفعالها العدائية، وهكذا فهمت طهران أيضاً مما جعل قادتها وبالذات الذين يوجهون العمليات الإرهابية خارج إيران ما دفعهم إلى التوسع وتمدد سيطرتها إلى مناطق عربية أخرى، فسعوا إلى ضمّ اليمن إلى سوريا ولبنان والعراق، وغاب على هؤلاء أن اليمن يمثل عمقاً إستراتيجياً للأمن العربي وبالذت أمن المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وأن سقوطه في دائرة النفوذ الفارسي أكثر خطورة من هيمنة الإيرانيين على العراق وسوريا. وهكذا تضافرت الهواجس العربية من عقد صفقة أمريكية إيرانية على حساب المصالح العربية مع تهديدات العمق الإستراتيجي للمملكة العربية السعودية ودول الخليج لتُعَجِّل بتنفيذ عاصفة الحزم التي ستغير كثيراً من المفاهيم وتُعَدِّل التوازنات السياسية في المنطقة.