وضعت عملية "عاصفة الحزم" العسكرية التي قادتها السعودية ضمن تحالف خليجي عربي خلال اليومين الماضيين، طهران في مأزق، بعد أن بعثرت مخططاتها السياسية والاقتصادية في المنطقة، خاصة توقيت العملية التي كانت مباغتة وقوية، وجاءت في الوقت الذي تناقش دوليا ملفها النووي، ما وضعها في ضيق أكبر. ويرى مختصون استراتيجيون وسياسيون في حديثهم لـ"الاقتصادية"، أن العملية العسكرية عززت مشروع تكوين قوة عسكرية عربية موحدة لمواجهة أي أزمة أو تحد في المنطقة, مؤكدين أن "عاصفة الحزم" كانت مباغتة وحازمة ومباشرة، وعنوانها أكبر من مجرد تدخل عسكري لردع ميليشيات الحوثي؛ لأنها حققت توازنا في القوى السياسية داخل اليمن، وإعادة التوازن الإقليمي في بعده الكبير. وذكر الدكتور فيصل عبدالقادر مستشار شؤون المنظمات الدولية في الديوان الملكي البحريني, أن دول الخليج والسعودية في هذه العملية فتحت بابا لفكرة تكوين قوة عسكرية عربية لمثل هذه الأزمات, مؤكدا أن السعودية نفذت الفكرة على أرض الواقع، وأثبتت نجاحها من خلال "عاصفة الحزم". وبين أنه "عند العودة للمعطيات نرى أن إيران شغلت المنطقة العربية بصفة عامة والخليج بصفة خاصة، بما يسمى الصراع الطائفي، الذي تهدف من خلاله إلى تحقيق استراتجيتها الأساسية للتوسع، بينما التوسع الأيدلوجي ليس إلا أداة من أدوات تحقيق الهدف الرئيس للدولة الفارسية والهيمنة الاقتصادية، خاصة الممرات البحرية التجارية, فبدأت بمضايقاتها في المضايق البحرية، وبدأت منذ فترة التوسع والتمدد في القرن الإفريقي عن طريق إيهام الآخر بالتوسع الأيدلوجي، وكان الهدف لدى إيران هو الهيمنة على القرن الإفريقي عن طريق بحر العرب ومنافذ البحر الأحمر. وأضاف "لذلك تأتي أهمية عملية "عاصفة الحزم", وهي واحدة من حكمة المخططين السعوديين الذين كشفوا مخططات إيران أو وضعوا لها حدا, مشيرا إلى أن العملية العسكرية التي تقودها السعودية بعثت من خلالها رسالة إلى إيران تؤكد أن إيران ليست بقدر القوة التي كانت توهم بها منطقة الخليج, مؤكدا أن هذه الرسالة الموجهة إلى إيران لتعرف حجمها في المنطقة. من جهته، يرى الدكتور زهير الحارثي عضو لجنة الخارجية في مجلس الشورى, أن عملية "عاصفة الحزم" كانت مباغتة وحازمة ومباشرة، لكن عنوانها أكبر من مجرد تدخل عسكري لردع ميليشيات الحوثي, هي حققت توازنا في القوى السياسية داخل اليمن وإعادة التوازن الإقليمي في بعده الكبير. ولفت إلى أن عملية "الحزم" دشنت مرحلة جديدة للعمل العربي المشترك، حيث أصبح الاعتماد على الذات وليس على الآخر فيما يتعلق بالتحالفات والمحاور السياسية, وهذه الخطوة الشجاعة تحسب للملك سلمان بن عبدالعزيز الذي أذهل الجميع بهذا القرار الشجاع، والذي أربك حسابات الحوثي، وبعثر مخططات طهران، خادم الحرمين الشريفين واجه الأزمة بحزم واقتدار. وأكد أن عملية "عاصفة الحزم" حققت جزءا كبيرا من أهدافها، بدليل أن الأهداف كانت دقيقة ومحددة ومثمرة وفق البيانات العسكرية المعلنة, وبالتالي أتصور أن هذا القرار الشجاع الذي اتخذ لو تأخر لسقطت عدن في يد الحوثيين، كما حدث في بعض الدول العربية الأخرى تحت الهيمنة الإيرانية، والتدخل كان حاسما ويحسب للسعوديين والخليجيين. في حين قال الدكتور جمال عبدالله رئيس وحدة دراسات الخليج, "في هذا الإطار أعتقد أن قوة التحالف التي تقودها السعودية بدت عملية مفاجئة بالنسبة للحوثيين، وكانت عملية "عاصفة الحزم" غير متوقعة, ولاشك أن هذه العملية درست في وقت سابق خلال الأسابيع الماضية بالتشاور مع قيادات الدول الخليجية، ولم يعلن عنها وباغتت الحوثيين. وأضاف "المتوقع بعد تنفيذ العملية أن قوى أخرى تود أن تشارك، أو أن تطلب السعودية منها أن تشترك فيها مشاركة فعلية كقوات عسكرية، أو من خلال دعم لوجستي أو استخباراتي مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو تركيا". وزاد "من الجانب الآخر، تتوقف العملية الآن على ردة الفعل الإيرانية الرسمية التي ما زالت تدعو إلى وقف العمليات العسكرية والعودة إلى طاولة الحوار, ولا توجد ردة فعل إيرانية يمكن تسميتها بالسلبية، معتقدا أن هذا يعود إلى الملف النووي المطروح الآن, ولا تريد إيران أن تزعج هذه المفاوضات التي يبدو أنها وصلت إلى طريق شبه نهائي، وأي رد فعل سلبي من إيران الآن قد ينعكس عليها سلبا. كما بين رئيس وحدة الدراسات الخليجية في مركز الجزيرة القطري للدراسات, "أن عملية "عاصفة الحزم" يبدو أنها بشكل عام تحظى بتأييد معظم الدول العربية, بينما هناك دول عربية أخرى غير مؤيدة قريبة لإيران كالعراق وسورية وحزب الله في لبنان كمجموعة وحزب سياسي في الساحة اللبنانية, وعلى الجانب الدولي قد تكون انقسمت المواقف بالاتحاد الأوروبي، فدول تدعو إلى الحل الدبلوماسي، ودول ذات وزن في منظومة الاتحاد الأوروبي أيدت العملية. وقال إن اليمن ساحة مهمة جدًّا لإيران لكي تمد نفوذها في المنطقة، فهو يقع بالخاصرة الجنوبية لخصمها الرئيس، السعودية، فركَّزت على بناء تحالف قوي مع الحوثيين؛ حيث قدَّمت لهم كثيرًا من الدعم المالي والعسكري، وكانت تحرص على أن يكونوا لاعبًا رئيسا في المعادلة اليمنية. وخلال الأشهر الأخيرة، صدرت كثير من التصريحات باعتبار التمدد الحوثي في اليمن هو استمرار لمسار الثورة الإيرانية، وأُطلقت تهديدات بأن الدور المقبل على السعودية، لكن التطورات العسكرية الجارية وضعت إيران في مأزق. من جانب آخر، ذكر لـ"الاقتصادية" عايد المناعي محلل سياسي كويتي, أن "عاصفة الحزم" عملية جراحية اضطرارية وليست اختيارية؛ لأن الحوثيين وجماعة علي عبدالله صالح لم يتركوا مجالا إلا للتدخل لإرغامهم على أن يعودوا إلى وضعهم الطبيعي, الجانب الآخر أن هذه العملية تمت بناء على طلب السلطة الشرعية الرسمية ممثلة في الرئيس عبدربه هادي, وبالتالي السعودية والخليج استجابت لطلب جهة رسمية في اليمن وجدت نفسها مشلولة أمام الاجتياح العسكري لقوى خارجة على القانون, ما اضطر إلى التدخل العسكري من السعودية والخليجيون. وقال "هنالك جانب ثالث، وهو ليس خافيا على أحد أن جماعة الحوثي محسوبة على طرف إقليمي متمثل في إيران، التي تسير 14 رحلة في الأسبوع، ما يعني أن هنالك أمورا غير عادية تحدث في اليمن، فلا توجد تجارة قائمة بين اليمن وإيران لتسيير هذا العدد من الرحلات, ولا قوى عاملة يمنية في إيران كما في الخليج, وبالتالي هذه الرحلات تعني عمليات تسليح وتجهيز لإيجاد منطقة نفوذ إيرانية أخرى كما في سورية ولبنان والعراق، وبالتالي كان من حقنا أن نحمي أمننا القومي من أي تمدد لأي طرف آخر، وهذا تطلب التدخل لمساندة الشرعية اليمنية، وبناء على طلبها وحماية لأمننا القومي ولبسط الأمن والاستقرار في اليمن والعمل على تنميته، وبالتأكيد سنعمل مستقبلا على مشروع لإنقاذ اليمن من أوضاعه الاقتصادية, والخليج مد يد العون منذ سنوات لليمن. وحول القدرات العسكرية لـ"عاصفة الحزم", قال المناعي "القدرات عالية جدا للعمليات السعودية الخليجية في العملية العسكرية وواضحة جدا, وهي قدرات فائقة جدا وكبيرة, بجانب العون الآخر من دول الخليج وأخرى مساندة, وبالتالي لا مقارنة, فاستخدام القوة العسكرية سيحكم على الحوثيين بالهزيمة المبكرة, مشيرا إلى أن المطلوب الآن من الحوثيين وطهران أن يتعظا بأن هذا التمدد لن يمر دون عقاب، وأن يعودا إلى حجمهما الطبيعي. وأضاف "على الحوثيين أن يعودوا إلى حجمهم، ويخوضوا العملية السياسية كطرف سياسي يمني، وإذا اختارهم اليمنيون فليتأكدوا أننا في الخليج لسنا أعداء لاختيارهم، شريطة ألا يكونوا هم أو غيرهم في السلطة طرفا معاديا أو حليفا لطرف معاد، وبالتالي نحن في المنطقة كل ما نتمناه هو الاستقرار والتنمية لأوضاع اليمن، وإخراجه من الأوضاع التي يعيشها منذ عقود طويلة.