هناك هجمة غير مبررة يشنها البعض على كل من يرغب في طرح رأي لا يتناسب مع المزاج الشعبي العام، وبقدر ما ان هذه الهجمة غير مبررة فإن الرد عليها مبرر بل أعتقد أنه واجب. إجماع عامة الناس وبعض من يدعي التخصص على رأي او توجه معين لا يعني بالضرورة انه صحيح خصوصا إذا كان هذا التوجه يتقاطع مع مصالح شريحة واسعة من المجتمع، وأنا هنا أتحدث عن ضريبة (رسوم) الأراضي داخل النطاق العمراني. هناك تطبيل يصاحبه بعض الصراخ أن لهذا القرار مفعول السحر الفوري لحل مشكلة الاسكان خصوصا لمحدودي الدخل وانه بمجرد تطبيق وتفعيل هذه الضريبة سيؤدي ذلك الى تصحيح اسعار العقارات داخل المدن، حتى أن بعض المتطرفين لهذا الرأي يعتقدون جازمين أن هناك أنهيارا كبيرا في أسعار العقارات سيصل الى 70%، هكذا وبكل بساطة وفي تهميش واضح لعقل المواطن! عزيزي القارئ، لنترك هذا البعض يغالي في التطرف جانبا ولنتحدث بكثير من العقلانية وبدون الدخول في عملية التسلق على أكتاف وهموم المواطنين، وأنا هنا أعد القارئ الكريم بعدم الحديث مطلقا عن مدى تأثير ضريبة الاراضي على أسعار العقارات صعودا أو انهيارا. ضربية الاراضي سيكون لها اثار في جوانب أخرى قد تكون مصدر ثراء للبعض ومدمرة للبعض الاخر، كيف ذلك؟ إذا ما تم فرض ضريبة سنوية بأي صيغة كانت على الاراضي البيضاء غير المستغلة (بغض النظر عن مساحة الارض) داخل ما يسمى بالنطاق العمراني للمدن الرئيسية على سبيل المثال العاصمة الرياض أو الدمام أو جدة سيؤدي ذلك الى نتيجة حتمية وهي إجبار مالك الارض على استغلالها بالبناء أو بالتخارج منها عن طريق البيع لمالك اخر الذي سيقوم مجبرا ببنائها حتى لا يقع تحت طائلة دفع الضريبة، ما نتيجة ذلك؟ ارتفاع وتيرة البناء (سكني واستثماري وتجاري) بشكل متسارع ومحموم داخل المدن الرئيسية مما سيؤدي الى مزيد من التكدس والازدحام والضغط على البنية التحتية المتهالكة أصلا ناهيك أن الامانات في المدن الرئيسية عاجزة أصلا عن مواكبة النمو المتسارع في وتيرة البناء وزيادة عدد السكان وهي بالتأكيد لن تكون قادرة على مواجهة الزيادة الصادمة في طلبات رخص البناء والتطوير للاراضي خلال فترة وجيزة وما يترتب عليها من طلب كبير ومتوقع على الخدمات بكل أشكالها من ماء وكهرباء وطرق وصرف صحي وخلافه، هل هناك مبالغة في هذا الطرح؟ لا أعتقد ذلك. لكل قرار آثار سلبية وأخرى ايجابية، ولكن هناك قرارات يطغى جانبها السلبي على المجتمع ويتعاظم ولكن بعد حين، قد يبدو قرار الضريبة شعبيا لحظة اقراره ولكن نتائجه على المدى المتوسط لن تكون كما هو مأمول، فالمدن الرئيسية تعاني حاليا من الازدحام الشديد في الطرق والشوارع وعدم توفر المنشآت التعليمية والصحية بشكل كافٍ وتهالك البنى التحتية أو عدم توفرها أصلا لبعض الخدمات العامة مثل شبكة الصرف الصحي ومجاري السيول وعدم توفر مياه الشرب بانتظام في بعض المناطق ناهيك عن مشاكل الكهرباء والقدرة على توفيرها، كما ان أسعار مواد البناء وما يأتي في حكمها من مقاولين وعمالة ستحلق عاليا عند اقرار الضريبة تماشيا مع توجه ملاك الاراضي للبناء بشكل محموم. أتوقف هنا وأهمس في أذن القارئ الكريم المقيم في مدينة الرياض ممن يعاني بشكل يومي من الزحام والتكدس ونقص الخدمات الى معلومة أن نسبة الاراضي غير المستغلة في مدينته تبلغ في حدها الادنى حوالي 40% من إجمالي مساحة المدينة، أدعوك عزيزي القارئ الى ان تتخيل وضع مدينتك بعد تطوير تلك النسبة او حتى جزء بسيط منها خلال فتره قصيره تجنبا من ملاكها لدفع الضريبة. فقط تخيل وضع مدينة الرياض!