يمكن قراءة هذا التفجير الذي نفذه مسلحون استهدفوا متحف باردو الوطني قرب مبنى البرلمان في العاصمة التونسية وسقط على اثره أكثر من عشرين قتيلا أغلبهم من السياح وحوالي خمسين جريحا، في إطار صعود تنظيم (داعش) في دول شمال إفريقيا، وبعد ان أعلن تنظيم داعش في تسجيل صوتي على الإنترنت مسؤوليته عن الهجوم على متحف باردو، اصبح مؤكدا ان التنظيم يتوسع بشكل كبير تجاه شمال افريقيا من خلال مد نفوذه في ليبيا الذي سيطر على اجزاء كثيرة منها، والآن يتمدد الى تونس. فبحسب السلطات التونسية هناك ما بين ألفين الى ثلاثة آلاف تونسي ينخرطون في داعش في ليبيا وسوريا والعراق، وقد اعلنت مؤخرا عن عودة 500 من هؤلاء الى تونس في اشارة الى هذا التمدد وهذه الاستراتيجية، فهذا التمدد وتعدد خلاياه النائمة يشل حركة التحالف الدولي لمحاربة الارهاب من استهدافه على المدى القصير. اعتقد ان تفجير متحف باردو في تونس له العديد من الأهداف ولا يقتصر فقط على مجرد لفت الانتباه الى وجود هذا التنظيم في تونس. فقد حاول التنظيم من خلال عملية التفجير التي قام بها إرسال رسائل إلى عدة أطراف معنية باستقرار تونس. فقد جاء هذا التفجير غداة مناقشة الجلسة العامة للمجلس التأسيسي في تونس (البرلمان) لقانون مكافحة الارهاب، الذي عرض على أنظار المجلس الوطني التأسيسي منذ يناير الماضي قبل انتهاء مهامه، وتعطلت عملية المصادقة عليه بسبب مراجعة عدد من فصوله، والذي سيعوض لدى المصادقة عليه قانونا قديما وضع عام 2003 في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. انا اعتقد ان الارهابيين ارادوا تفجير مبنى البرلمان وليس المتحف، فبعد عدم استطاعتهم الدخول الى البرلمان توجهوا لمتحف باردو الملاصق للمجلس في محاولة منهم لتعطيل القرار بشكل خاص وضرب المسار الديمقراطي لتونس بشكل عام. فبعد ان نجحت تونس في الافلات من مصير سوريا والعراق والوقوع في الفوضى وعدم الاستقرار، بالانتقال الى تجربة ديمقراطية نموذجية وتحكيم الصندوق، اراد الارهابيون ضرب هذه التجربة وتحويل مسار تونس من الشرعية الديمقراطية الى شرعية السلاح والعنف والارهاب كما هو حاصل في الجارة لبيبا. أيضا تزامن هذا الحادث مع الاحتفال بذكرى 59 للاستقلال، فتونس نالت استقلالها في 20 مارس 1956، وبعد الاستقلال تم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية بخلع الملك محمد الأمين باي واختيار الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية. فالرئيس الراحل بورقيبة لم يكن فقط زعيما سياسيا بل اسس لمرحلة تحديث على المستويات الثقافية والاجتماعية وكان مؤمناً بالدولة العلمانية ومناهضاً بشدة لحركات الإسلام السياسي. وعليه فالتنظيمات الارهابية لديها عداء عميق وايديولوجي مع مشروع التحديث الذي تبنته الدولة الوطنية إبان الاستقلال؛ والذي كان عرافها كما ذكرت الرئيس بورقيبة مؤسس تونس الحديثة، والتي ترى فيه هذه التنظيمات رمزا للعلمانية ومحاربة الدين. فالارهابيون أرادوا ارسال رسالة انهم ضد الإرث المدني والحياة الاجتماعية والثقافية في تونس، والذي اعتقد انه كان كفيلا في الانتقال السلس والسريع الى الحياة الديمقراطية. الرسالة الثالثة التي ترسلها هذه التنظيمات عبر هذا التفجير هي استهداف منطقة باردو في قلب العاصمة تونس. وكما تم الاشارة الى ان مرتكبي الحادث ينضمون الى كتيبة عقبة بن نافع، والمتحصنة منذ نهاية 2012 في جبل الشعانبي (اعلى قمة في تونس) على الحدود مع الجزائر. فبعد ان كانت معظم الاحداث منذ اندلاع الثورة في 17 ديسمبر 2010، كانت منحصرة في المناطق الحدودية منطقة الجبل او المناطق المحاذية لها مستهدفةً قوّات الأمن والجيش. انتقل الصراع من الاطراف الى قلب العاصمة تونس في اشارة الى ان التنظيم قادر على نقل الصراع من الاطراف الى المركز متجاوزا كل الإجراءات الأمنية. الرسالة الرابعة هي استهداف الاقتصاد وذلك من خلال استهداف السياحة التونسية، خاصة في ظل الازمة الاقتصادية التي تعانيها البلد. فخلال جلسة مع أعضاء لجنة المالية والتخطيط في مجلس نواب الشعب (البرلمان التونسي)، أكد سليم شاكر وزير المالية التونسي أن خسائر تونس من العملية الإرهابية التي وقعت بمتحف باردو «قد تتجاوز 700 مليون دينار تونسي» (نحو 350 مليون دولار أمريكي). واضاف: إن هذه العملية الإرهابية «ستكون لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد التونسي وعلى قطاع السياحة والصناعات التقليدية وعلى مستوى الاستثمار الخارجي كذلك». محلل سياسي