الاتفاق الأميركي بين واشنطن وطهران حول النووي سيُبصر النور عاجلاً أم آجلاً، فالثابت أنّ هناك رغبة بل إرادة عند الطرفين. فرضيّةُ المقال هذا أنّ الاتفاق الأميركي- الإيراني سيفضي إلى أمرٍ أهمّ: تخصيب دور إيران في المنطقة ضمن ثنائية: طهران/ تل أبيب، بحيث ترعى الولايات المتحدة الأميركية مصالح الطرفين وتبارك دورهما الإقليمي كما في ستينات وسبعينات القرن الماضي زمن الشاه محمد رضا بهلوي. العلاقات الثنائية بين طهران وتل أبيب كانت وديّة زمن الشاه رضا بهلوي، ابتداءً من آوائل الأربعينيات، لغاية الإطاحة به عام 1979. برزت ثنائية طهران/ تل أبيب كلاعبين محوريين في المنطقة، بعد هزيمة 1967 و انكسار الناصرية (هل يعقل أنّ عبدالناصر بدلاً من أن يتنحى، ويُسأل ويحاكم عن مسؤوليته الجسيمة لهزيمة 1967 أن يستمر في الحكم، لغاية وفاته 1970.!). في تلك الفترة كان التعاون وثيقاً بين البلدين على مختلف الصُعد بما فيها الجانب الاستخباراتي. وإذا كان هاجس تل أبيب حماية أمنها من خلال السيطرة على القدرات العربية وطمس القضية الفلسطينة، فشاه إيران كان مولعاً بالغرور والسلطوية ليس فقط داخل بلاده (احتفالات برسوبولوس التي أقامها في إيران عام 1973) بل أيضاً خارجها، فترجم ذلك من خلال احتلاله لجزر الإمارات الثلاث عام 1970. قبل ذلك، وبالتزامن مع دعم تل أبيب للبارازاني في حربه ضد الحكم المركزي في بغداد، لم تتوان طهران عن مد زعيم الأكراد بما يلزم من سلاح وعتاد. وهكذا، برز، ولغاية عام 1979، قطبان أساسيان في المنطقة (طهران / تل أبيب). حين تسلم الملالي الحكم في طهران عام 1979، توترت العلاقة مع إسرائيل، ولكن، على رغم رفع طهران شعارات محاربة الاستكبار والصهيونية، وتخصيص يوم للقدس، لم تتوان عن استيراد أسلحة من تل أبيب إبان الحرب مع العراق، وعلى فترات طويلة، بما عرف لاحقاً بقضية ضابط الارتباط الأميركي أوليفر نورث، ثمّ إنّ شحنات الأسلحة من إسرائيل، لم تمنع طهران من الحضور في القضية الفلسطينية، ولكن عبر حدود الآخرين... فأوجدت «حزب الله» في لبنان، وشقت الصف الفلسطيني، من خلال دعمها «حماس»... بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، اتجهت طهران إلى النووي، الأمر الذي حتّم على تل أبيب أن تلزم الحذر والترقب. فعملت على عرقلة وإفشال المشروع الإيراني النووي، من خلال الضغوط الدولية ووسائل أخرى، كاغتيال علماء ذرة إيرانيين داخل إيران نفسها، فكان رد طهران كالعادة عبر الغير، فأوكلت المهمّة إلى ممثلها اللبناني – «حزب الله» – بإطلاق رصاص على سياح إسرائيليين كما حدث في بلغاريا منذ ما يقارب العامين، وقبلها تفجير مقر يهودي في بوينس آيرس، إضافةً إلى تخطيط عمليّاتٍ ضد مقرّات إسرائيلية في آسيا لم تدخل حيّز التنفيذ نتيجة تعامل أحد قياديي «حزب الله» محمد شوربة مع الاستخبارات الإسرائيلية من خلال كشفها مسبقاً. إن حرص طهران على تكريس دورها في المنطقة والحفاظ على مصالح الكومنترن الشيعي (على غرار الكومنترن الشيوعي أيام الاتحاد السوفياتي السابق) الذي تقوده، لا يُشكّل مانعاً، بل يُبرّر تفاهماً إسرائيلياً إيرانياً يرسم الحدود غير المُتضاربة بين القطبين الإيراني والإسرائيلي. ولعلّ ما تسرب عن اجتماع العام الماضي في الريف الفرنسي بين مسؤولين إسرائيليين وإيرانيين متقاعدين، يؤشّر إلى أنّ الحوار بين الطرفين قد يكون مُجدياً. فلقد استعيدت العلاقات الأميركية الصينية أواخر الستينات من خلال مباراةٍ لكرة الطاولة. بالإمكان استقراء مخطط توجيهي ما، يقضي بأن يستتبع الاتفاق الأميركي الإيراني حول النووي، إفضاء دور «الشرطي» في المنطقة (كما فعل نيسكون سابقاً) إلى طهران نتيجة الثوران الإسلامي السني للجهادي. ولعلّ أحد الأدلة على ذلك غض النظر الأميركي عن تجاوزات ميليشيات الحشد الشيعي بحق عراقيين سنّة، وعن انقلاب الحوثيين في اليمن، وعن تسليم زمام الأمور في سورية إلى قاسم سليماني. علماً أنّ على المرء أن لا يغفل تصريح علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات حول الإمبراطورية الإيرانيّة وعاصمتها بغداد! في زيارةٍ لدولةٍ خليجية قبل الهبوط السريع لسعر النفط اجتمعتُ مع مسؤولٍ سابق لعب دوراً مهماً في سياسة بلاده. ردّاً على استفهامي عمّا يجري حولنا قال لي: كبّر عقلك. فتّش عن النفط! دعني أعود بك إلى ثمانينيات القرن الماضي. كان سعر برميل النفط مرتفعاً في تلك الأيام الغابرة. كلٌ من العراق وإيران كان يملك احتياطات مالية تفيض عن 75 بليون دولار نقداً. ضخامة هذا المبلغ حتّمت على الذين لا يضمرون الخير لهذا الجزء من العالم أن تشتعل الحرب التي كان في الإمكان وقفها في مراحلها الأولى. السيناريو نفسه يتكرّر اليوم، وصل سعر برميل النفط إلى 120 دولاراً، والأرصدة المالية لدول الخليج في أوجها... فلا بدّ من استنزافها وإلهاء المنطقة لا بل إنهاكها بصراعاتٍ مذهبية. لكنّ الخطورة اليوم أنّ هذا الاستنزاف يترافق مع تثبيت دور إيران في المنطقة لغايةٍ في نفس باراك أوباما! أمّا موضوع النووي... فتحصيل حاصل. النووي متوفر في كلٍ من الهند وباكستان، والبلدان لا يجرؤان على استعماله. هكذا ستكون الحال مع إيران. الأخطر هو تكريس دورها في المنطقة، في ظل حكم الملالي! صحيح أنّ هذا التكريس سوف يزيد من التناحر المذهبي، لكن لا حياة لمن تُنادي. قلتُ للمسؤول الصديق. إلى متى يشهد هذا الجزء من العالم تناحراً يؤدي إلى مزيدٍ من التناحر. حبذا لو نفكر، ولو للحظة، بأن يتخلى ملالي إيران عن مخططاتهم بإعلاء شأن الشيعية السياسية على حساب مصالح الشعوب. فلنتصوّر بالتالي تعاوناً اقتصادياً صادقاً وفاعلاً بين إيران، تركيا والعالم العربي، يعمل على إيجاد تنين اقتصادي رهيب أين منه التنين الاقتصادي الصيني؟ ابتسم المسؤول الخليجي وقال: قلتُ لك في بداية حديثي كبّر عقلك. وأقولها لك مرّةً أخرى: يبدو أنّك تهوى الأحلام.