رد مسؤول إيراني كبير سابق، أصبح من رموز «المعارضة الديمقراطية» على مقالي قبل الأخير في «الشرق الأوسط» بعنوان: إيران أخطر من «داعش» بألف مرة برسالة عبر الهاتف النقال (الموبايل) قال فيها: أخي الكريم.. تحياتي.. مقالتك اليوم في «الشرق الأوسط» أمر من شجرة الزقوم وأسوأ من كلمة نتنياهو في الكونغرس الأميركي.. مع الود!! وبعد يوم واحد من المفترض أن هذا الصديق قد سمع وكما سمعت أنا وكما سمع العرب والعجم والعالم بأسره تصريحات مستشار الرئيس الإيراني الذي هو علي يونسي، التي تحدث فيها عن أن بغداد أصبحت عاصمة الإمبراطورية الفارسية وحيث لم يتم نفي رسمي فعلي لكلامه هذا، وحيث لا يزال في منصبه مستشارا للشيخ حسن روحاني، وحيث أيضا جاءت الردود من قبل عدد محدود من المسؤولين العراقيين على هذا الكلام الخطير خافتة وخجولة ولم تؤثر على واقع الحال في هذا المجال ولو بمقدار قيد أنملة. وبالطبع فقد ثبت أن القوات الإيرانية بقيادة الجنرال قاسم سليماني، الذي يتصرف الآن كـ«مندوب سام» لإيران وللولي الفقيه في بلاد الرافدين وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن، بالإضافة إلى أفغانستان، تحتل العراق من أقصاه إلى أقصاه باستثناء ما يسيطر عليه «داعش»، وأنها تخوض معارك وتنفذ عمليات عسكرية دون علم الحكومة العراقية ودون استشارتها وهذا ما أكده وشكا منه رئيس البرلمان العراقي وبمرارة المغلوب على أمره. وكدليل على أن إيران أخطر من «داعش» بألف مرة بالفعل، على خطورة هذا التنظيم الإرهابي ووحشيته ودمويته، أن التشكيلات المذهبية التي تعتبر أجنحة «ميليشياوية» لفيلق القدس وحراس الثورة، والتابعة فعليا لغرفة عمليات قاسم سليماني، ويقودها ضباط إيرانيون قد ارتكبت في مناطق صلاح الدين جرائم ضد العرب السنة أبشع كثيرا من الجرائم التي ارتكبتها في ديالى، وأنها قامت بعمليات سلب ونهب وإحراق منازل لا يشبهها إلا ما قام به جيش حافظ الأسد و«سرايا دفاعه» في حماه في عام 1982، وما قامت وبقيت تقوم قوات ولده بشار على مدى الأربع سنوات الماضية وحتى الآن. إننا عندما نقول إن إيران أخطر من «داعش» بألف مرة، فإننا لا نقول هذا من قبيل التحامل ولا الكيدية ولا ردا على «الشعوبية» القديمة، وإنما انطلاقا مما نراه ومما نسمعه من أفواه كبار المسؤولين الإيرانيين، إذ إن «داعش» لا يمكن إلا أن يكون ظاهرة عابرة ومؤقتة، ونهايتها محتمة، أما عندما يقول علي يونسي إن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الفارسية، وإن الدولة الساسانية وعاصمتها المدائن أصبحت بمثابة القائمة، وعندما يقول غيره إن أربع عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، غدت تدور في فلك طهران، فإنه على كل عربي، سواء أكان عاربا أم مستعربا، أن يتلمس رأسه، وأن يدرك أننا إزاء «صفوية» جديدة يحتل فيها علي خامنئي مكانة إسماعيل الصفوي يكلل تطلعاته التوسعية والاحتلالية. إنه لا يمكن أن يتمنى عربي في رأسه مثقال ذرة من العقل أن تكون إيران بالفعل أخطر من «داعش» بألف مرة، لكن ما العمل يا ترى، ونحن نرى بعيوننا هذا الذي نراه، ونسمع بآذاننا هذا الذي نسمعه؟ إننا أمام حقائق صارخة لا يمكن إلا أخذها بعين الاعتبار وعدم إغماض العيون، وأول هذه الحقائق كل هذا الذي يفعله حراس الثورة والميليشيات المذهبية البغيضة التابعة لهم، والمؤتمرة بأوامرهم في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن.. وهنا فإنه لا بد من التذكير أن الرأي العام العربي قد انحاز بغالبيته إلى الثورة الخمينية في عام 1979، ولاحقا في بدايات حرب الثمانية أعوام العراقية – الإيرانية، وإن الأمة العربية كانت ولا تزال تتشوق أن تكون علاقاتها بهذه الدولة المسلمة علاقات تاريخ مشترك ومصالح متبادلة، وحل أي مشكلات طارئة بالتفاهم والحوار واستبعاد الحروب والمواجهات العسكرية. ثم ومع الإشارة إلى تصريحات الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الأميركية السابق في العراق، التي أدلى بها قبل أيام إلى صحيفة «واشنطن بوست»، والتي قال فيها: إن القوة الإيرانية في الشرق الأوسط تعتبر من المشكلات المزدوجة وهي ذات إشكالية عميقة، نظرا لأنها ذات نزعة عدائية.. إن النظام الإيراني ليس من بين حلفائنا في الشرق الأوسط، بل هو في نهاية المطاف جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل، فإنه لا بد من التأكيد أولا: على أن طهران لا تريد نهاية فعلية لـ«داعش» لا في العراق ولا سوريا، وذلك ما دام أن وجود هذا التنظيم يبرر احتلالها للكثير من دول المنطقة، وهذا بالإضافة إلى الاستمرار في اضطهاد العرب السنة والاستمرار في تهميشهم وإضعافهم.. وثانيا: على أن المسؤولين الإيرانيين سيبقون يناورون ويداورون ويتلاعبون بعامل الوقت بالنسبة لمفاوضاتهم «الماراثونية» مع الأميركيين، لكنهم في النهاية لن يتنازلوا عن مشروعهم النووي، وأنهم قد يجمدونه لبعض الوقت، لكنهم سيستأنفونه في أول فرصة لائحة. إن المفترض أنه معروف أن إيران تريد امتلاك السلاح النووي لا لإزالة إسرائيل، ولا لتحرير فلسطين، فهذه مسألة تستخدم للتلاعب بعواطف العرب والمسلمين والضحك على ذقونهم، أما الحقيقة فهي أن الإيرانيين يريدون الحصول على القنبلة النووية لفرض «الإمبراطورية الفارسية» بصفتها الجديدة كدولة عظمى في المنطقة العربية، ولتثبيت ما هو قائم الآن حيث تدور، كما قال أحد كبار قادة إيران، أربع عواصم عربية في الفلك الإيراني، والسعي لإضافة باقي ما تبقى إلى هذه العواصم الأربع على المدى الأبعد. ولذلك فإنها مسألة من الواضح أنها غدت محسومة، وهي أن إيران قد تجمد مشروعها النووي مؤقتا، لكنها بالتأكيد ستستأنفه في أقرب فرصة ممكنة، وإنها أيضا قد تحاور وتناور وتداور، لكنها لا يمكن أن تتخلى عن أحصنتها في هذه المنطقة، وعلى رأسهم بشار الأسد، فهؤلاء هم ضمانة مشروعها التمددي، وهم من ستقوم على أنظمتهم الإمبراطورية الفارسية – الساسانية الجديدة التي قال علي يونسي إن عاصمتها بغداد!! وهكذا وفي النهاية فإن هذا هو واقع الحال، ولذلك فإنه على بعض العرب المؤلفة قلوبهم أن يدركوا هذه الحقيقة، وأن يعرفوا أن أكثر السياسات بؤسا، هي السعي للتسلل داخل المعادلات الكبرى.. فـ«السمرات» قد تنفع في بعض الأحيان، لكنها لا يمكن أن تكون مجدية في لعبة كبرى كهذه اللعبة!!