تحول الاحتفال بعيد القضاء في مصر السبت الماضي بدار القضاء العالي في القاهرة بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى "مجزرة" من نوع آخر، كانت ضحيتها اللغة العربية التي بدت صريعة من تحدثوا بها في تلك المناسبة. لم يكن الأمر مجرد زلة أو حتى زلات لسان للمستشار محمد حسام عبد الرحيم رئيس مجلس القضاء الأعلى -أعلى سلطة قضائية في البلاد- والذي ارتكبأخطاء جسيمة في قراءته للكلمة المكتوبة على الحضور، ولم يُعرف على وجه الدقة، هل كانالخطأ في المكتوب أم في المنطوق أم في الاثنين معا؟ وبلغ الأمر ذروته في الأخطاء التي ارتكبها عبد الرحيم في الآيات القرآنية التي ختم بها الكلمة خلال تلاوتهالآية الكريمة"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"، وقال بدلا من ذلك "وسيعلم الذي"، كما تلا آية "ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" بفتح التاء في "تُزغ"، مما قلب المعنى رأسا على عقب. والأدهى من ذلك أنه اعتبر الآيات القرآنية أحاديثَ نبوية واختتمها بقوله "صدق رسول صلى الله العظيم". " وكالة أنباء الأناضولرصدت سبعين خطأ لغويا للمستشار نبيل صليب رئيس اللجنة العليا للإشراف على الاستفتاء على الدستور المعدل، خلال إلقائه بيانا في يناير/كانون الثاني الماضي " أخطاء بالجملة وهذه الحالة ليست الأولى من نوعها بين القضاة، فالأخطاء اللغوية للمستشارين خاصة خلال جلسات قضائية تنقلها وسائل الإعلام أكثر من أن تحصى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تحريف المستشار معتز خفاجي آية "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب"، إلى "ولكم في الحياة قصاص"، وذلك خلال إحدى جلسات القضية المعروفة إعلاميا باسم قضية مكتب الإرشاد. كما رصدت وكالة أنباء الأناضول سبعين خطأ لغويا للمستشار نبيل صليب رئيس اللجنة العليا للإشراف على الاستفتاء على الدستور المعدل، خلال إلقائه بيانا في يناير/كانون الثاني الماضي. وتثير تلك الحالة تساؤلات حول مستوى اللغة العربية داخل أروقة مؤسسة القضاء، وتأثيره على تفسير نصوص القانون وما يصدر من أحكام بناء عليه. ويرى عضو المكتب التنفيذي لحركة "قضاة من أجل مصر" المستشار عماد أبو هاشم أن ظاهرة الأخطاء اللغوية "منتشرة إلى حد بعيد بين رجال القضاء". ويرى أبو هاشم أن "البلادة اللغوية تتعدى مجرد الخطأ في تركيب الجمل وضبط حركاتها إلى الخطأ الإملائي. ولستر العوار اللغوي الفاضح، لجأت محكمة النقض إلى تعيين مراجعٍ لغوي في المكتب الفني لمحكمة النقض بهدف مراجعة ما يصدر عن المحكمة من أحكام قبل نسخها". وتساءل "كيف لقاضٍ لا يتقن القراءة والكتابة أن يتفهم دقائق الأمور التي تكتنفها أوراق القضايا ويصل إلى الحقائق؟ والعقول التي لا تعصم الألسنة عن الخطأ هي عقول فارغة لا تصلح للقضاء". والمقلق بالنسبة لأبو هاشم هو خطأ رئيس مجلس القضاء الأعلى "بهذا الشكل الفج والمهين في تلاوة القرآن، ولنا أن نتصور حال من دونه من القضاة في التردي، ولنا أن نتأكد أنهم لم يمسوا المصحف منذ زمنٍ بعيد أو ربما لم يقربوه أبداً". زارع: الأخطاءلا تقتصر على القضاة (الجزيرة) ظاهرة وفي تعليق نشره عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي"فيسبوك"، علق القاضي وليد شرابي قائلا إن "ظاهرة جهل القضاة بقراءة القرآن الكريم ظاهرة غريبة ولا يوجد لدي تفسير لها، ولكن يبدو أن من ينطق بالظلم يصعب عليه أن ينطق بالحق". وينبه المحامي عزت غنيم إلى أن عددا من القضاة لا يهتمون بتحسين مستواهم اللغوي، "ورغم أن وزارة العدل تنظم دورات في اللغة العربية فإن أغلب المستشارين لا يشتركون فيها". وقال غنيم إن القانون المعتمد عليه في إصدار الأحكام مكتوب بالعربية، "والتفسير اللغوي غير الصحيح للنصوص القانونية قد يؤدي إلى أحكام غير عادلة". أما المتحدث باسم لجنة الحريات بنقابة المحامين أسعد هيكل فاعتبرأن فن الخطابة في مصر حظي بتجاهل متعمد خلال العهود السابقة بسبب تهميش الكفاءات المفوهة،والحل -وفق هيكل- يكمن في قطاع التعليم، بحيث يُعمم منهج دراسي لتعليم التلاميذ منذ الصغر فن الخطابة. ويرى رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي محمد زارع أن ضعف المستوى في اللغة الفصحى يشمل جميع القطاعات ولا يقتصر على القضاء والمحاماة فقط. وعن تأثير ضعف اللغة على تفسير النص القانوني، أوضح زارع أن النصوص القانونية "واضحة ويوجد لها شروح مفسرة مما يسهل تطبيق القانون، وحتى إذا صدر حكم غير عادل بسبب تفسير لغوي خاطئ للقانون فتوجد درجات لاستئناف الحكم".