في سنة من السنوات عندما كنت مستأجرا شقة في الخارج، دعوت ثلاثة من زملائي لتناول الغداء عندي في يوم الأحد من أيام مارس المشرقة، وأنا شخصيا أتفاءل بهذا الشهر جدا، حيث إنه المبشر بقدوم الربيع. وحيث إنني لأول مرة أدعو وأقيم وليمة في شقتي، فقد شمرت عن أكمامي قبلها بيومين، وذهبت إلى (الميركادو) السوق الشعبي -، واشتريت ما قدرني الله عليه من الخضروات الطازجة وصدور الدجاج التي أهواها، واشتريت قبلها مجلة مختصة بأنواع الطبخات، ولكي أعيش بالجو تماما اشتريت (مريلة) ما زلت أتذكر أن لونها كان أزرق سماويا ممتلئا بالزهور البيضاء الناصعة. وبدأ محسوبكم بالقراءة واتباع التعاليم المنصوص عليها، ووضعت كل المقادير في صينية من (ستانلس ستيل) مع شيء من الملح والبهارات، وتركتها لكي تتتبل إلى أن يحضر ضيوفي. وما هي إلا نصف ساعة أو أقل حتى ضربوا الجرس، وذهبت لأفتح لهم الباب وابتسامتي تسبقني، وكأنني (حاتم الطائي) يرحب بضيوفه. وما أن فتحت الباب حتى تفاجأت أن الثلاثة أصبحوا ستة وأنا سابعهم، حيث إنهم اصطحبوا معهم أيضا ثلاثة من زملائهم دون أن أدعوهم، فأسقط بيدي، فكنت بين خيارين إما أن أردهم أو أن أستسلم، فاخترت أهون الشرين، فرحبت بالجميع بطريقة باردة مصطنعة تنم عن استيائي الذي لا تخطئه عين. وألهمني الله عندما تذكرت الحكمة الشعبية القائلة: (إذا كان غداك مأكول مأكول فرحب). وهذا هو ما حصل عندما رحبت بالجميع من وراء ضرسي. جلس بعضهم بالصالون مع رفعهم لأصوات الأغاني، وبعضهم لم يترددوا حتى بالدخول الى غرفة نومي، ولا أنسى منظر أحدهم عندما تمدد على سريري دون أن يشلح حتى (التنس شوز) الذي كان يرتديه بقدمه الغليظة. إنكم وقتها لا تتصورون الغيظ المكبوت الذي كان يعتمل بصدري، وساعتها لعنت أبو الكرم والكرماء وكل ما يمت لهم بصلة، وكدت أن أتهور وأطردهم جميعا، ولكنني قلت بيني وبين نفسي: (يا واد اخزي الشيطان)، وفعلا خزيته، وذهبت إلى المطبخ الذي هو جزء من الصالون. والحمد لله أن الصينية كانت كبيرة، مما سمح لي أن أضاعف مقاديرها. وبحكم أنني أريد أن أسير على حسب خطوات هذه الأكلة المنصوص عليها في المجلة، التي ورد فيها: ضع الصينية في الفرن على درجة (400 فهرنهايت) لمدة (45) دقيقة. وبحكم ذكائي الذي أحسد أو لا أحسد عليه، فقد حكمت عقلي التعبان متصورا أن هذا ينطبق على أنه لو كان الآكلون هم أربعة أشخاص، وليس سبعة. لهذا ضاعفت درجة حرارة الفرن، وضاعفت أيضا المدة الزمنية، وبعد أن مرت أكثر من ساعة كاملة حتى بدأ الفرن يصدر صوتا تحذيريا، وبدأت الروائح الغريبة تملأ الصالون، فأسرعت بإطفائه قائلا للجميع بكل أريحية، هيا تفضلوا الله يحييكم. وما أن فتحت الفرن لكي أستدني الصينية حتى لفحت وجهي حرارة النار التي تزيد عن (1000) درجة، وإذا الأكلة كلها برمتها قد احترقت. وانطبق علي المثل القائل: (البسة من صربعتها تجيب بزورتها عمي). مشعل السديري نقلاً عن صحيفة عكاظ