الموقف العربي والإسلامي من تصريحات الوزيرة السويدية يأتي في إطار عقدي وثقافي وسياسي وهنا الرسالة الحازمة التي تبعثها الشعوب العربية والإسلامية بأن قضية العقيدة التي يدين بها أكثر من مليار مسلم تعتبر خطا احمر يجب عدم تجاوزه لأن هذه الدول الإسلامية بسكانها يشكلون نسبة تقترب من كونهم يمثلون ربع سكان الكرة الأرضية تقريبا التوتر الذي يعصف بالعلاقات السعودية - السويدية قد يبدو للبعض انه يتم في إطار اختلال مؤقت في العلاقات السياسية بمفهومها التقليدي، ولكن إذا نظرنا الى زاوية أخرى في هذا التوتر فسوف يقودنا التحليل الى وجهة سياسية إضافية تدخل في إطار "تسييس شأن اجتماعي ثقافي" وفي هذه القضية الاجتماعية والثقافية الحساسة في العلاقات بين الدول يمكن فهم حجم التوتر ومسافته السياسية. السويد دولة اوروبية ومملكة دستورية و"بلد ديمقراطي، يجوز للجميع أن يقول ما يريده بحريّة، ويستطيع الناس أن يمارسوا عقائدهم ودياناتهم المختلفة والانتماء إلى أحزاب وجمعيات مرخص بها." الدستور السويدي أيضا يضمن لك الحق في اختيار العقيدة والدين: وهذا يعني أن هذا الحق في اختيار العقيدة يجيز لكل صاحب ديانة مهما كان نوعها أن يمارسها بكل ابعادها الثقافية وتكويناتها ونسقها المجتمعية. هذا عن السويد فماذا عن المملكة العربية السعودية، السعودية دولة آسيوية يطبق فيها النظام الملكي وتلتزم بالشريعة الإسلامية بكل تفاصيلها وهي مملكة تضمن الحريات والحقوق بجميع اشكالها من خلال المنطلقات الشرعية في الدين الإسلامي والتكوينات الثقافية المجتمعية وهي بلد جميع سكانه من المسلمين. هذه الفروقات التاريخية والجغرافية والسياسية والاجتماعية والثقافية تجعلنا نعيد التساؤل والتفكير في الأسباب التي دعت وزيرة الخارجية (فالستروم) الى الدخول الى هذا المنعطف في نقد القضاء السعودي الذي يعتمد كلية على تطبيقات الشريعة الإسلامية، في بلد كل مواطنيه من المسلمين ، بل إن المجتمع السعودي في تكوينه الثقافي والسياسي يعتقد بكل عمق أن من أحد أسباب بقائه واستمرارية تكوينه السياسي هو الاعتماد على تطبيق الشريعة والالتزام بتعاليم الإسلام، هذه الحقيقة هي المكون الأكثر عمقا في الشخصية السعودية. (فالستروم) قالت في تصريح لوكالة الأنباء السويدية " إن المؤسف هو أن انتقادي للسعودية جرى ربطه بالإسلام أو هكذا جرى التلميح له. وهذا أمر خاطئ ومؤسف للغاية، وقالت أيضا، من المهم أن نذكر أن هذه التصريحات لم تكون موجهة ضد دين" . هذا التصريح يعبر عن قضية أساسية تدلنا على أن القصور في الفهم الشامل لمعنى الثقافة الإسلامية هو الذي أربك محاولات التراجع التي تبذلها الوزيرة من اجل الخروج من هذا المأزق السياسي. السعودية بطبيعتها السياسية ترفض التدخل في شؤونها كما ترفض التدخل في شؤون الاخرين انطلاقا من نظرية تعتمد على المساحات السياسية في العلاقات بين الدول والتي تتشكل من عدة قوالب ومكونات، ولكن هناك خطوط حمراء يجب عدم المساس بها وخاصة عندما تتجاوز مفاهيم العلاقات الدولية الى منطقة "تسييس شأن اجتماعي ثقافي" يمكن أن يكون خلفه الكثير من الأهداف المستترة. السياسة السعودية وعبر تاريخها الطويل لم تمارس فكرة العزلة السياسية من اجل تطبيقات مبدأ عدم التدخل خوفا من نقد لأنظمتها او إجراءاتها القانونية او حقوق مواطنيها، ولم تمارس يوما مواقف حيادية تجاه القضايا المصيرية التي تهم شعبها او اصدقاءها او قضايا العالم العربي او الإسلامي، فالسعودية بلد لها مواقفها ولها تكويناتها وفلسفتها السياسية وتندمج عالميا بما يحقق مصالحها وتطلعاتها الوطنية ولذلك يشكل الاندماج السياسي السعودي علامة بارزة تعكسه مواقف المملكة ومكانتها الاقتصادية وريادتها الدولية في اكثر القضايا الدولية حساسية واهمية وخير دليل وجودها بين مجموعة دول العشرين الأكثر تأثيرا في العالم اقتصاديا وسياسيا. السؤال الذي امامنا (لماذا إذن كل هذا الغضب السعودي على السويد..) ما دامت السعودية بكل هذا التميز السياسي إقليميا ودوليا؟ في الحقيقة أن الغضب السعودي سياسيا تشكل في إطار مبادئ تحتم الدفاع عن التكوين السياسي للسعودية فنقد أنظمة القضاء من جانب الوزيرة (فالستروم) لا يرتبط بنقد حالة قضائية قد تتعرض - ولو جدلا - في عملية إخراجها قضائيا للخطأ والصواب مثل أي قضية قانونية في أي دولة في العالم، انما يرتبط بالتجاوز غير المبرر للمنهج الاجتماعي والثقافي للسياسة السعودية وهو الدين الإسلامي والذي يعتبر الاطار الشامل الذي تتشكل حوله الحياة في السعودية. الموقف العربي والإسلامي من تصريحات الوزيرة السويدية يأتي في إطار عقدي وثقافي وسياسي وهنا الرسالة الحازمة التي تبعثها الشعوب العربية والإسلامية بأن قضية العقيدة التي يدين بها أكثر من مليار مسلم تعتبر خطا احمر يجب عدم تجاوزه لأن هذه الدول الإسلامية بسكانها يشكلون نسبة تقترب من كونهم يمثلون ربع سكان الكرة الأرضية تقريبا. الدين الإسلامي لا يمكن تجزئته ابدا وقد حاولت الوزيرة السويدية ان تفرق بين نقدها للنظام القضائي في المملكة، وبين نقدها للإسلام، مفترضة أن القضاء يمكن فصله عن الدين الإسلامي، وهنا الأزمة الكبرى فالقضاء أحد المكونات الرئيسة في الإسلام ويعتمد على مدارس قضائية محددة ومنتشرة في العالم الإسلامي وتطبق بنفس المنهجية لذلك يصعب التفكير بالقول بان نقد نظام القضاء في السعودية لا ينطوي على نقد للدين الإسلامي كما حاولت الوزيرة (فالستروم) ان تقول للإعلام. الانتقادات التي ساقتها الوزيرة السويدية كما أعتقد أتت في إطار تشبعها بصعود الراديكالية الإسلامية التي مثلتها الجماعات المتطرفة التي انتشرت في العالم، وهنا يجب أن يتنبه سياسيو العالم الغربي تحديدا ان ظواهر الراديكالية التي تشكلت في جماعات الإرهاب لا يمكن ربطها او محاولة تفسير فلسفاتها من خلال التكوينات الطبيعية للدين الإسلامي الذي ظل متماسكا خلال أربعة عشر قرنا من الزمن، ومع كل هذا الزخم الإعلامي لظواهر الإرهاب في العالم تظل الجماعات المتطرفة اعدادا قليلة لا يمكن الحكم على الإسلام من خلالها. على الجانب الآخر لازلنا نجد أن بعضا من السياسة الغربية وسياسييها غير مكترثين بالفروقات الثقافية والمجتمعية بين الدول ولذلك نجد ان الكثير من الازمات تنشأ كنتيجة طبيعية لعدم الفهم الواضح للتكوينات المجتمعية بين دول العالم. السعودية في قرارها الحازم تجاه التصريحات التي أطلقتها وزيرة الخارجية السويدية تدرك ان الهدف من هذا الحزم أعاد رسما وتأكيدا للخطوط السياسية المحظور تجاوزها، وخاصة القضايا العقدية التي تشترك فيها الشعوب والحكومات كون العقائد وتشريعاتها قضية مقدسة لا يجب مساسها، وفي ذات التوقيت تظل السعودية وعبر تاريخها الطويل مساحة مفتوحة للجميع من اصدقائها ولا تحبذ التصعيد ولا المجازفة إذا ما تمت تسوية القضايا السياسية بما يحكمه العقل ويتطلبه المنطق.